أن تتجرّأ على تلفُّظ هذا “سأصبح وزير..” بمثابة كلمات بذيئة لا يجوز قولها أمام صناع القرار والطموحين إلى السلطة، لا تحلم جهراً أرجوك فأنت تواجه الاستبداد وهذا أكبر خطأ في مدينتنا الفاضلة.
لست أدري ماذا سأفعل حينما أصل إلى هذا المنصب، لكنِّي أحب السفر كثيراً متأكدة سأشبع منه: “لطالما قرأت على شريط الأخبار العاجلة وزير الخارجية ينزل بالمطار الفلاني، لأجل حضور قمة كذا أو دراسة ملف كذا، لكن ماذا تجني العامة من هذا وذا فلا ثمار فقط استعراض للبدلات والمصافحات”.
مثل هذه المناصب تُسهِّل عليك التنقل على حساب الدولة إلى كل بقاع العالم دون أن تفكر في مصروفك الذي سينفد، أو عائلتك التي تنتظر عودتك بأكياس المواد الغذائية على رأس كل شهر، ستعيش في بذخ أنت وعائلتك بامتيازات رجال الدولة ستبعثرون الأموال، تُحلِّقون في كل المواسم تحت ذريعة خدمة مصلحة الوطن والشعب البسيط يصفق لإنجازات لم تُكتب حتى على الورق فما بالها على أرض الواقع.
لماذا سأكذب وأقول أنِّيَ سأستغل منصبي للبناء والتعمير والقضاء على الفقر والديون، سأحقق حلم الشباب في وظيفة ومنزل وسيارة وزوجة جميلة لا تقول “لا”، لماذا سأدَّعي كل هذا وأتلاعب بالمشاعر، وأنا سأكون مكلفة بالعلاقات الخارجية بالبروتوكولات والأمور المدهشة التافهة، الأمر بسيط حقيبتي الوزارية خاصة بالشؤون الدولية: “نعم نعم فنحن الوزراء نأخذ على عاتقنا هم السفر والتعب والمخاطرة بإمكانية سقوط الطائرة من أجلكم أيها المواطنون المستضعفون، لا نأكل من أموال الشعب بل نتنقل من مصروفنا الشخصي حتى نحقق لكم الرفاهية والعيش الرغيد”.
يااااه كم يتعب هؤلاء من أجل مُتعتِنا، نعم الآن فهمت سبب تفشِّي البطالة، هم يعملون ساعات اضافية عِوضًا عنا، يفكرون في راحتنا وعليه نحن متشبِّثون بآرائك البيت وهم متشبِّثون بأرائك الطائرات الخاصة والفنادق المشهورة، هكذا سنعيش في خمول عضلي وفكري فيتحقق السلام والأمن الداخلي ويمكن الخارجي أيضا!
لن أصبح وزيرة خارجية أو داخلية لا أمتلك الإمكانيات التي تؤهلني لذلك، لا أملك الوساطات اللازمة لخوْض غمار التجربة، وما لم ترضى عليك الدول الصديقة المساهمة في البناء التخريبي وأرجوكم لا تتهموني أنّي أقصد الأيادي الخارجية:” أبدًا أبدًا فهذه ليست مؤامرة إنّما حقيقة نعيشها، فنحن هنا ندرس فقط ولا نحلم بالوظيفة، نمتلك مئات الشهادات وآلاف الطموح والأحلام ليس إلاَّ”.
لكن لابأس أن أحلم بأن أكون فالأحلام مجانية عندنا لا تُكلّفك شيئاً سوى النظر إلى السقف فمرّات تبتسم كالأبله ومرات تبكي كالطفل، ومرات تنسى أنّك تمارس حلمك فيُبحر ذهنك إلى المجهول حتى أنت لا تعرف ماذا كنت تتخيّل، عادي جداً أن تجلس مع جماعة من المثقفين فيقولون لك إن هذه المناصب تحتاج مسؤولية كبيرة وضمير حي، تحتاج منك علما وافِراً حتى تنهض بالأمة، حينها تجد نفسك في مفترق طرق فإمّا أن تبدأ بحديث يُدخلك في جدال معهم لأنّهم يعيشون في مثاليات غير موجودة أصلا أو أن تصمت وتدعهم في نيّتهم، فأولئك من الصنف الذي يعرف الحقائق لكنّه يستدرجك بالكلمات المستفزّة التي تتلاعب بمشاعرك، هو في حقيقة الأمر محنّك جدا يلعب دور الطفل البريء وداخله مهندس سياسي ذو خبرة، هذا من أجل أن نفهم أنّ السياسة تحشر أنفها في كل شيء، فلا تغرَّنك كلمات المتثاقفين المعسّلة المسمومة، فلا ضمير ها هنا ولا حس إنساني بالمسؤولية، كلّه نفاق نفاق نفاق..
واصل حلمك فأنا لا أكسر طموح أحد، لأنِّيَ ما زلت متمسكة بما أريده لعلّني أصل إليه وأُدركه فنحن كمن أخذ جرعة زائدة من الكوكايين حينها لا يستطيع الاستغناء عنه، نفس الأمر حينما نُمارس أحلامنا نأخذ جرعات كبيرة فيكون التخلّي عنها بمثابة انتحار، ينقصنا فقط أن نكون واقعيين وأن لا نجعل من شيء ما محور حياتِنا، وإنّما نضع خطط بديلة فالعيش في مثل بيئتنا المحطِّمة ليس بالهيِّن، وكذلك تحقيق ما نرنو إليه ليس بالهيّن، وعليه فلندعم بعضا البعض بالكلمة الطيبة والربت على قلوبنا حين الضعف حتى نُكمل المشوار ونصل إلى ما نُبصره: “لا أريد أن أكون وزيرة خارجية هي مجرّد تشبيهات، وأحلامنا الكبيرة من الأفضل أن نعمل عليها بصمت”.