هنا في تونس، في مجتمع نالت فيه المرأة العديد من المكاسب الحقوقية من ضمان حق السفور حتى إلغاء منشور منع تزويج التونسية المسلمة من غير المسلم، ومازالت تناضل من أجل تكريس مساواة قانونية أكثر جذرية مع الرجل. لذلك بدى غريبا التعامل مع منح المرأة السعودية حق قيادة السيارة بكل هذا الفرح والحبور.. ربما هذا محدده أمران في تونس: موقف “نسوي” متعالي ورؤية مغرقة في الاستشراق من المرأة الشرقية والشرق عموما.
هناك صورة نمطية صنعها الاستشراق عن الجزيرة العربية على أنها منطقة جرداء مخيفة يسكنها أناس متوحشون وقطاع طرق مستعدون للانقضاض على أحدهم فقط لأن أزرار سترته تلمع حسب تعبير أحد المستشرقين. ربما، هذا ما يفسر في جانب منه هذا الاستعلاء الفضفاض المشوب بالسخرية في تعليقات نسائنا “المثقفات” عن منح المرأة السعودية حق قيادة السيارة.. قد يحلو لبعض العجائز الليبيراليات المولعات بحداثة يورڨيبة، الحديث بحسرة عن زمن “mini jupe” والصورة الأوروبية التي كان يصدرها بورڨيبة عن حرية المرأة، في الوقت الذي لا تملك فيه المرأة على امتداد الوطن (الوطن خارج العاصمة والمدن الكبرى) حق قيادة حمار.
لا يعي كثيرون أن هذه الحدثنة المجهضة التي لم تقدم سوى واجهة ذات سيقان جميلة لواقع يرزح في الاستغلال أن المرأة التونسية تعاني إلى اليوم صنوف التمييز والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي وأن الوضع (لو استثنينا هامش الحريات الشكلية على أهميتها) لا يختلف عن السعودية..
المرأة التونسية تعاني من التحرش والاغتصاب والتمييز في الأجر وفرص العمل وتشغيل كأيدي عاملة رخيصة في المعامل والعنف الجسدي مع مجتمع بآيدولوجيا جبارة تخلفية قاىمة على الحشمة والشرف والحياء ومجمل المعايير الأخلاقية التي تزدري المرأة. أي مكسب تناله المرأة العربية مهما بدى بسيطا، إزميل في هذا الجدار السلطوي العربي وآيديولوجيته المتخلفة.. فقط لعشاق البورڨيبيان ستايل هناك سعودية أخرى هنا.. إنها هنا في هذه الـ”تونس” بالذات.. فقط أمعنوا النظر..
شركة كشف تسربات المياه بالاحساء