عيد الأم: إلى أجملِ الأمهات.. سلاما

إلى أجمل الأمهات.. إلى التي اعتادتْ أن تقرأَ كلّ العبارات الجميلة في هذا اليوم. وتستمعَ إلى حُلْوِ الكلام دونَ أن تملّ.. إلى التي قال عنها محمود درويش: “وأعشقُ عمري لأنّي إذا متُّ.. أخجلُ من دمعِ أمّي”، إلى التي كتبَ إليها نزار خمسَ رسائل يقولُ فيها: صباحُ الخير يا قدّيستي الحلوة. أيا أمّي، أنا الولدُ الذي أبحر، ولا زالتْ بخاطرهِ، تعيشُ عروسُه السُّكر، فكيفَ فَ كيفَ يا أمّي، غدوتُ أباً ولم أكبرْ..؟

إليكِ أنتِ

تحية طيبة وبعد! أعلمُ أنّكِ تحبينَ هذا اليومَ كثيراً.. وتنتظرينه بفارغ الصّبر.. ككلّ أم في كلّ أذار من كلّ عام.. لا تنتظرينَ الهدايا والمفاجآت بقدْر ما تنتظرين التفاتةً طيّبةً من أبنائك.. ويوماً يجتمعونَ فيه حولك.. والابتسامة تعلو شفاههم.. وأعلمُ أيضاً أنّ هذا اليوم قد أصبحَ تعيساً بالنسبة لك.. يوماً ككلّ الأيام.. لا قيمةَ له ولا معنى.. لأنّ الفراغ الذي تركه لك ابنك بعد رحيله.. لا يسدُّه أيّ فراغ.. ولأنّ عيدكِ بولدٍ غائب هو عيدٌ ناقص لا جدوى منه.. أنتِ الآن تنظرينَ إلى الكرسيّ الفارغ الذي كانَ يجلسُ عليه يوماً.. تتلّمسينَ حوافَه علّها تلامِسُ آثار أنامله. تدخلين إلى غرفته رافضةً أن يدخلها أحدٌ غيرك.. تفتحينَ خزانته.. تشمّين ما تبقّى من رائحةٍ عالقةٍ في ثيابه.. تمسحينَ دموعك ثمَّ تكتفينَ بتأملّ صورته التي لا تفارقُ صدرك. تبحثينَ عن صدى كلماته في ثنايا الغرفة.. تواصلينَ مناداتهِ بقلبك. متسائلةً إنْ كان يسمعكِ أو يشعر بك.

تفكرين في أيّ حال هو الآن.. تتمنيّنَ لو أنّكِ أهديْتِه بقاءً بدلاً من أن يُهدِيَكِ وداعاً.. أنتِ الآن.. تفتحينَ ألبوم صوره.. تتحدثينَ مع كلّ صورةٍ هي له.. تخبرينَه عن أشياء لمْ يسبقْ وأنْ قلتِها وعن حوادثَ احتفظتِ بها لنفسك ولأحفادك. لا تكفّينَ عن ذرْفِ الدّموع.. فالذكرياتُ كثيرة والشوق قاتل. أعلمُ بأنّك ترتدينَ الحِداد لوناً مُذْ رحلَ عنكِ.. وبأنّكِ مسكونةٌ بأوجاعك إلى حدِّ الثَّمالة. تنتظرينَ أن يرسلَهُ القدر إليكِ فتسرقي لحظاتٍ قليلةً معه. وبأنّكِ تتمنيّنَ لو أنَّ غيابه تأخر أكثرْ فأنتِ لم تشبعي بعد من رؤيته ولم تتمكنّي من مواجهة الحياةِ وقسوتها بدونه.

لا تحزني.. فلم يُخلق الحزنُ للأمهات. أعلم بأنّكِ تنتظرينَ عيد الأم لتستمعي إلى كلّ الأغاني التي يعرضها “التلفزيون” في هذه المناسبة.. ترددينَ مع فيروز: “أمّي يا ملاكي يا حبيَّ الباقي إلى الأبد ولا تزَلْ يداكِ أرجوحتي.. ولا أزلْ ولد”، وتصدحين بأعلى صوتك مع فايزة أحمد: “ست الحبايب يا حبيبة”. أمّا الآن فأنتِ تبكينَ على وقْع أغنية مرسيل خليفة: “أجملُ الأمهات التي انتظرتْ ابنها وعادْ.. عادَ مستشهدا”، فبكتْ دمعتين ووردة.. ولمْ تنزوِ في ثياب الحداد.

أعلمُ أنّ كلماتنا لن تخففَ عنك ولن تُنسيك كلّ ما يعتصر فؤادكِ من ألم.. ولكنّنا نصلّي لله كيْ تعودَ لكِ ابتسامتك الغائبة.. وكيْ تُرمّمَ روحكِ النقيّة.. ويطيبَ خاطرُكِ الجريح

يا أجمل الأمهات.. رِفْقاً بقلبكِ رِفْقا. ماذا عسَانا نقول في عيدك وكلّ الكلمات تعجز أمام جبروتِ دموعك. ماذا عسَانا نقول وكلّ ما في قواميسنا من ألفاظ لا يرتقي لمواساتك والتخفيفِ عنك. كيفَ لنا أن نتقمّص دور ابنك في هذه اللّحظات لننسيَكِ بحضورنا الباهت غيابه. كيفَ لنا أن نطويَ عنكِ وجَع السنين وآلام الأيام.. كيفَ لقلبكِ أن يقاومَ كلّ هذه الأحزان التي تطفو على واجهة مبْسمِكِ الجميل. أعلمُ أنّ كلماتنا لن تخففَ عنك ولن تُنسيك كلّ ما يعتصر فؤادكِ من ألم.. ولكنّنا نصلّي لله كيْ تعودَ لكِ ابتسامتك الغائبة.. وكيْ تُرمّمَ روحكِ النقيّة.. ويطيبَ خاطرُكِ الجريح.

كلّ عام وأنتِ أجمل الأمهات.

كاتبة التدوينة: خولة شنوف

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version