ماذا تجني من عملك التطوعي المتواصل؟ المال؟ الجاه، القوة أم السلطة؟ سؤال لطالما تصادفت به في يومياتي، وغالبا ما يتم طرحه باستهتار وباستهزاء… قبل أن أجيب عليه دعوني أطلعكم على طريقة تفكيري، عن سر ارتباطي به، كيف ولماذا نتج وازداد قوة وثباتا في نفسي.
كما أتلقى مثل هذه الأسئلة، أنا كذلك لي الحق أن أسأل نفسي، ما سبب وجودي في زماني هذا ومكاني هذا؟ أكثر سؤال طرحته على نفسي وأنا طفل.. ولم أدرك الإجابة إلا في سنوات متأخرة..
في إحدى المرات، قادني عملي كرئيس لجمعية في ذلك اليوم إلى قرية بائسة أتلفت يمينا وشمالا، مدققا في صعوبة ملامح الحياة هناك، باحثا عن فسحة أمل وسط الفقر والمعاناة التي طغت على يوميات سكانها… كنا لازلنا في السيارة حتى باغتتنا عجوز، لم يترك الشيب ولا شعرة سوداء تذكرها بشيء من شبابها.. عيونها كانت خضراء وكبيرة.. متأكد أنها لم تكن لتفقد جمالها لولا فقرها وحظها العاتر في الحياة.
حين توقفنا عندها، أخبرتني أنها حسبتني ابنها، الذيلم تره منذ مدة، أخبرتني أنها تشتهي الذهاب إلى البحر الذي لم تره فيحياتها طيلة 80 سنة… ابنها يأخذ ابنه كل اسبوع ويرفض أن يأخذها معه… جلستي مع العجوز تحولت بعد لحظات قليلة إلى إصرار منها وتوسل أن نأخذها إلى البحر لتراه قبل أن تموت.
الأدهى أن ابنها لا يأتي إلا مرات مع ابنه ليعتني بشجيراته –وليس بأمه–، تلك أولوياته..
قصتي مع البحر تكررت مرة أخرى مع طفل من قرية بائسة أخرى، ربما لم يتجاوز العاشرة من عمره، حين سألته عن ما يريد فعله وما يتمناه في حياته، فأجابني: أريد أن أزور البحر، ولا داعي حتى لتعلم السباحة.
لنعد إلى حكاية العجوز وابنها، لعل مشكلته كانت كما تكون المشكلة الحقيقية والأخطر لمعظم الناس، وهي أن نحدد غاياتنا في الحياة وأهدافنا الجوهرية.. التي نحيا في سبيلها، هل هي الشجرة، أم الأم؟
كلكم بلا شك زرتم مريضا في المشافي… حين كان يتفقأن تزوروا سياسيا، عالما جليلا.. مسؤولا كبيرا.. عسكريا.. بالله.. هل وجدتم أو سمعتم أن أحد هؤلاء علق شهادته.. نياشينه وسيوفه، حساباته المصرفية؟ ماذا تجد؟ على الارجح بطاقات صغيرة مع باقة زهور تتمنى فيها الشفاء والطهر.. ولعله حين يشم ريح الموت، أمنيته أن يقيض الله له من يحبه بصدق يدعو له في ظهر الغيب أن يغفر له الله ويرحمه.. هل سيكون لك ذلك؟ غاياته التي عاش من أجلها سوف تحدد له هل سيكون له ذلك أم لا… نحن نعيش حياة بأكملها متناسين آخر لحظة في حياتنا وما بعدها، وهي ما يجب أن نعيش لأجله.
لكل منا في هذه الحياة غايات يعيش من أجلها، بعضهم تتمحور كل غاياته حول جني المال، وبعضهم أن يلحق ويخرب حياة الآخرين، أن يشوه سمعته.. أن يثير حوله غبارا… عجاجة تنتشر في الشوارع والمقاهي..؟ لذلك أنا أطرح السؤال علام يحيا الإنسان، وما يجعل لحياته معنى؟ هو رعاية وخدمة الآخرين، وإلّا تضيع الحياة كلها…
قضية خطيرة أن تحدد ما هي غاياتك وأهدافك… خدمة الناس، وإيمانك بمبدأ التسخير هو ما يجب أن يبقى دافعا لك، وصدق رسول الله حين قال: *فنجوا ونجوا*.
تلك القصص التي تكررت معي بكثرة، هي التي حددت غايتي في الحياة وهدفي الأسمى لوجودي في زماني هذا ومكاني هذا، ارتباطي بالعمل التطوعي والخيري أتى بعد معايشة واقع مع هذه الحكايات، ولعل مثل هذه القصص من المجتمع هي التي جعلتني أحب أن أكون ابنا لكل الآباء وأخا لكل الأطفال، قصص كهذه هي التي جعلتني أشعر بقيمة الحياة التي أعيشها، بقيمة الصحة التي أحوزها وبقيمة الأم التي أملكها.