غربان الموت

كلُّ الأشياءِ يا سيدي تأبى الرحيل.

تأبى أنْ تتركني.

أشعرُ بها تتمسّكُ بي يومًا بعد يوم.

وكأنّها غربانٌ تطوفُ حولي، وتحجبُ رؤيتي عن العالم.

غربانٌ شديدةُ السّواد يُفجعني نعيقُها.

لا أعلمُ كيف لي أنْ أتخلّص منها، كيف لي أنْ أهرب، كيف لي أنْ أعيشَ بسلامٍ بعيدًا عن كلّ هذه الأشياء.

كلُّ الأشياءِ يا سيدي تأخذني إلى حيثُ لا أريد،

تأخذني إلى متاهةٍ لا أريدُ أن أدخلها.

داخلُها ظلمةٌ، ووحشة، وهاوية أخشى الوصول إليها.

ما إنْ أصل إليها، حتى تكون نهايتي.

كلّ الأشياء يا سيدي، مكتوبةٌ عليّ منذ ولادتي ودون رغبةٍ مني.

لا أرغبُ بها، ولكنّي سلكتُ طريقها بنفسي وبكاملِ إرادتي.

ها أنا الآن أكتبُ لك، وأشعرُ بألمٍ حادٍ داخلي، ليسَ ألمًا جسديًا ولكنّهُ روحيّ.

روحي تنزفُ دونَ توقف، ليتها تنزف دمًا لكنتُ تيّقنتُ باقترابِ الرحيل ونهايةِ كلّ شيء.

ها أنا أتقيّأ وجعًا، أتقيّأ مرارةَ سنينٍ لا يعلمُ عنها أحد.

سيدي، أنا حقًا وصلتُ إلى الحدّ الذي جعلني عاجزةً ضعيفة.

فقدتُ طاقتي، ورؤيتي، ونفسي، وقدرتي على مقاومةِ كلّ هذا.

سيدي، هذه ليست حياتي ولا أستطيعُ استكمالها.

هذه ليست الحياة التي طالما حلمتُ بها منذ صغري.

هذه ليست أنا.

لقد فقدتُ هويتي.

سيدي وحدكَ من تشعرُ بي وتعلمُ مدى معاناتي.

أنتَ من تعرفني وتعرفُ مَن أكون.

أغثْني ممّا أنا فيه، أنقذني من هذه المتاهة، من ظُلمتها ووحشَتها، من هاويتها.

فأنا أريدُ نفسي، أريدُ أن تغدو حياتي كما أريد.

أريدُ أن أحيا حقًا، أو أنْ أموتَ حقًا.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version