في موعد العمر مع محمد الأمين

ماذا لو، في هذه البقعة من العشب الأخضر التي أجلس عليها أحيانا لتناول ساندويتش الظهيرة، ماذا لو.. فرشتَ رداءكَ.. وأشرتَ إليّ مبتسما بأن أشارككَ جلسةً كما فعلتَ يوما مع صويحبة خديجة؟ ماذا لو حدث ذلك حقيقة وليس كما يحدث كثيرا في خيالي عندما يحتد الشوق إليك؟

هل سأطلقُ العنان لصرخة مجنونة كما تفعل الفتيات عندما يلتقين بنجمهنّ المفضل؟

أم أنّي سأستغلّ انهماكك في فرش الرداء كي أبحث عن هاتفي الذكي لكي أوثق اللحظة بصورةٍ على الأنستغرام؟

أم أنّ جلال الموقف سوف يكون أقوى من أن أسمح لنفسي بشيء من ذلك وسأكتفي ربما بكتابة منشور سريع عبر الفيسبوك من نوعية “لن تصدقوا بمن التقيت الآن!!” مع تحديث “للحالة الشعورية”..

حسنا، سيغذي هذا فضول الكثيرين وسيكون ذلك مناسبا للتّمهيد لكتابة منشور طويل في المساء يروي تفاصيل هذا اللقاء الخيالي.

أتمنى فقط أن يمرّ أحد من هنا صدفةً ويلتقط لنا صورة ونحن “ما على بالناش” بما أن المهابة والوقار يمنعانني من التقاط ذلك السيلفي التاريخي الذي سيكون مرجعا مهماًّ للذّاكرة التي.. التي أصبحت.. تحتاج لكل هذا في أيّامنا.. لا تسألني لماذا.. لا أعرف حقيقة..

احمم.. سيدي محمد.. عفواً ..أهلاً.. أنا فتاةٌ من أمتك.. أعيش في القرن الواحد والعشرين.

ستتطلع إليّ في ارتباك بتلك الابتسامة المفعمة بحلم نبي. ستنظر إليّ بتلك النظرة العطوفة الرحيمة التي لوحدها ستكون كافية كي أعترف لك بكل حماقاتي التي لم أروِها يومًا لأقرب الصّديقات.

سأستغرق في الحديث عن تفاهاتي الصغيرة لأنك ستجعلني أعتقد في حيز من الزّمن أنّي مركز الكون.

سوف أشطر فطيرتي إلى قسمين وسنأكل معا.. وسأخبرك أن تلك الكلمات التي كنتَ تتمتمها عندما تركب دابتك، أتمتمها بدوري عندما أركب السيارة والحافلة والتراموي… وسوف تضحك حتى تبدو نواجدك….

وسوف أبكي. لأن الجمال يبكيني. ولأن ثغرك الباسم يتجاوز الجمال إلى الكمال. ولأن كمالك يكمن في أنك الرسول الإنسان. البشر الذي يوحى إليه..

القائد الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، العابد الخاشع الذي يُخرج طرف لسانه عندما يلاعب الصغار، الفارس المغوار الذي يموت فوق صدر حبيبته.

وسوف أحبك.. لأني لا أعرف كيف لا أحبك، وأنت القريب في مهابتك، الرقيق في صلابتك، المتواضع في رفعتك. وسوف أظل جالسة هنا، في هذا الجامع الذي بحثتُ عنه طويلا هذا الصباح، والذي بدا لي كالموت الهامد من الخارج، والذي لقفني بدفئه وامتلائه ما إن ولجتُه احتفالا بذكرى مولد الأنبياء.

وسوف أظلّ أجول ببصري هاهنا، أتذوق جمال الجدران وأبتسم مصغيةً لحديثهم عنك. وسوف أظلُّ جالسة بجوار هذه العجوز التي تروي لي ببراءتها شيئا من نقاء الإنسان.. وسوف أحبها من أجلك.

وسوف ألحّ عليك آن جلستنا أن تحدثني عن مريم.. حين هزّت إليها بجذع النخل، وسوف يغمرني فرح كذلك الذي غمر فتيات بني النجّار. وسوف أطلب منك أن توصيني، وكلّي غيرة من معاذ حين أخبرتَه أنكَ تحبه.

سيدي..

أود فقط أن تعلم، أنّي لن أجد على اليوتيوب مقطعا واحدا لك وأنت تفتح مكة بزهوّ الانتصار وكرم العفو ورفعة التواضع. ولكن صورتك وأنت تلجها خفيض الرأس تقبع في صدري كنبتة تُزهر كلّما مشيتُ على الأرض هونا..

وأنّي لن أقرأ في أي من الصّباحات تغريدة واحدةً لك توصي بها متابعيك بالابتسام مرفوقة بقوسٍ ونقطتان. ولكنّي لن أحتاج لذلك من أجل أن يتدفق قلبي بمحبتك في كل مرّة أقرر فيها أن أمارس وصيتك الخالدة تلك..

وأنّي لن أشاهد يوما في السينما مشهدا لك وأنت تتلقى عِقد خديجة في فداء الأسرى فتنتفض متسائلا فداء من؟! ولكن يا سيدي لن أحتاج لذلك كي انتفض بدوري لحبك لخديجة ووفائك لها كلما مرّ هذا المشهد في ذاكرة القلب..

أود فقط أن تعلم، أني أعلم أن لهذه الأسباب بالذات بكيتَ يوما شوقا لإخوانك، أولائك الذين يؤمنون بك ولا يرونك، فاستحقوا بذلك لقب إخوانك..

نحن يا سيدي لا نحتاج لأن نرى لكي نرى ولا لأن نسمع لكي نسمع.. نحتاج فقط أن نعي بعمق الإيمان ويقين الاعتقاد قولكَ حينما وصفت نفسك بأنك ما بعثت إلاّ متمما لمكارم الأخلاق، لكي نتمم حضوركَ في ذواتنا بسيرتك.. لعلنا نكون بذلك أهلاً للقب أمتك..

شوقي ومحبتي وحيائي.

جميع المقالات المنشورة (خواطر أدبية) تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version