قلم للبيع!

رويدا يا قلمي..

ما لي أراك تحزم حقائبك تعزم الرحيل إلى اللامكان، هل تخليتُ عنك حتى شعرت بالضجر وتود طوْيي في صفحات ماضيك البائسة؟

لن أستسلم لك يا قلمي، فلست ممن يقبل الخسران بسهولة، وإن صدأ رأسك وفاض مدادك فأعد زادك وجدد عزمك، وإن اقتضى الأمر أن أزودك بمداد دمي، فالمعركة طويلة موجعة، وأسنتها شاغرة مميتة، ولعل المعركة لم تصل بعد أوجها، إلى حيث يبرز الفائز من الخاسر، وتظهر الحقيقة جلية من تحت غبار الجهل ورماد الفتن.

آه يا قلمي، لو أعلم ما تعلم ولو تعلم ما أعلم، لبكت الهوام وتصدعت الجدران، وللحنت الطير تراتيل الأحزان، فكن لي عونا واستخرج ما في الوجدان، فأنت لساني الصامت وفكري النابض الخافت، فاستجمع معي الشِيفرات من هنا وهناك لنفك أحجية الزمان.

يا قلمي! يانبض قلبي وتدفق دمي وحبر فمي، أو هكذا يترك الخليل خليله؟ ومتى كانت الخلة خُلة إن تجدي في زمن الفتن، يوم تكشر الكلاب عن أنيابها النتنة، يوم يتنكر الجار لجاره، يوم يصير الجهل علما والعلم جهلا، يوم تعتقل ألسن الحق ويطلق العِنان لألسن الباطل ومنابر الخيانة، يومها وفقط يومها تكون لكلمة الحق وحشة غريبة، يومها يُضرب الحديد على يد الأسود الزائرة لتتخبط بقوة داخل زنازين الحرية، فإذا اشتد تخبطها آن الأوان فيا ويلهم!!

فمهما قوي الحديد يا قلمي واشتدت صلابته لا بد وأن يأتي عليه يوم ويصدأ، ومهما عظمت النار واشتد حرها إلا وصادفت نهرا عذبا زُلالا فأخمد لهيبها. واربأ بنفسك أن تُساق مع القطيع وإن كثر رؤوسه، فلم تكن الكثرة يوما للحق ميزانا.

واحذر تتبع جزيئات الحدث فتقع في متاهات العميان، بل خذ من الأسباب منطلقك ومن الغاية والمآل مقصدك.
واعلم يا قلمي أن من يرد الحق يصل إليه، ومن يرد الباطل يصل إليه، فصحح نيتك وجدد عزمك، واختر لنفسك إما أن تكون نورا ساطعا متلألئا كالثريا في علياء السماء، وإما أن تكون ظلاما منغمسا في الطين الآسن إلى أخمص قدميك، فشتان الفارق بين هذا وذاك.

ويحهم يا قلمي كيف يطيقون العيش في ظلمات الجهل؟ ألم يعلموا أم لا يريدون أن يعلموا أن العلم نور، لكنها نوايا مبيتة ومقاصد دنيئة.

فحاول اقتباس النور مهما واجهتك الصعاب والمشاق في سبيل تحصيله -والحركة تُوّلد الحركة- لتخرق به جنح الظلام وترفع شعلة الانتصار.

فكن لي عونا ونصيرا، ليُهل علينا الفجر بنوره الساطع من جديد، ونعيد نسج حكاية الحق المجيد.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version