كؤوس في المنفى

كؤوس في المنفى

وأول رفعته عاليا
وأعطيته لضيف أتاني
من سفر صعب وبعيد
أخرج من وطنه
كما أخرجت من وطني
هم بقول فأعطيته ثاني
أشرب لصحة الوطنِ
أشرب يا صديقي
واحكِ لي ما في السر والعلنِ
قال بلدي
وفخر أجدادي
تركت داري وحياتي
حياتي التي عشتها وأنا أعاني
تركتها مكرها وبلا سبب
سوى أني قلت أن هذه أرضي
لكن قلتها بغضب
حين رأيتها تغتصب
أن هذه نوري وظلمتي
وهي فرحي وحزني
سوى أني صحت بأن هذه شمسي
هذه غدي وأمسي
أنها كل الحقيقة وكل الأماني
تركت شمس بلادي
بحرها وموجاتها الصاخبة
رمالها ونخيلها الغاضبة
من صخب إلى هدوءٍ تحملني
شربنا ثالثا في صمت ودموع
ثالثا للأخوة مع إشعال الشموع
والرابع إلى البوح دفعني
أنا مثلك يا صاح
بلدي وسجني
وخلفي طفولتي وشبابي
والأحلام الحمقاء
وشوارع المدينة البيضاء
التي احتملت حماقاتي
واحتملت وجع قصائدي
وحزن ألحاني
والثقوب السوداء في ذاكرتي
ما زالت تتساءل
ما لأسوء من بيع حريتك
ففي فوضى الكون
كل شيء عشوائي
كل شيء مضني
وحبيبتي وعيناها المملوءة بمطر الإله
وعيناها المملوءة بمطر الإله
ما زالت تغريني
ألا زالت تنام خائفة
ترتجف بجبني
ألا زالت سعيدة
تغني لفجر الحزنِ
ما زالت صورتها تشدني
يا صاح إنا مربوطون
بقفل برزخي أثقل من نجم نيوتروني
بسلاسل حارقةٍ
مشدودة إلى الأذقانِ
فأصبح كياننا كله
مزرعة للطغاة والطغيانِ
تدفعنا أيادي الجبابرة
إلى خشبة المسرحِ
فنشارك في المسرحية
ثم ندلف إلى مستودع النسيانِ
نحن كل شيء أمام العدم
ونحن لا شيء في اللانهاية
وكم نحن بعيدون عن إدراك الطرفينِ
وكأس خامس وسادس وسابع
شربناهم بالروح والوجدانِ
ولأن طعم الرومِ صار حلوا في فمي
صرت مثل أحدب في حضرة العميانِ
عقلي توقف
ومعه توقف عقرب الساعة عن الدورانِ
محادثة بريح البخور
أخذتنا فيها النغمة الكناوية بعيدا
ودفنت كلامنا في ثواني

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version