ليست هي المحاولة الأولى للكتابة عنها ولا أعتقد أنها تكون الأخيرة، حتى إذا تمكنت هذه المرة من نقل بعض من تمخضات كانت -ولا تزال- وحدها باعثتها الحقيقية.
بعد كل شيء كيف لي أن أكتب شوارع المدينة، سحر أنوارها البرتقالية ليلا، حفيف الستائر وهي تسدل والصبية تحث الخطى في طريق العودة إلى الدار وأهل الدار؟
حقا، كيف يمكن أن تكتب الشيء وليس أن تكتب عن الشيء فحسب؟
لارا حين غنت، تمكنت من تحقيق ذلك فعلا: حب الطفولة، انبهاري أمام عظمة الكنائس، أصوات أمي وخالاتي، ضحكاتهن حين يجتمعن أيام الأعياد، وحتى أحلام المراهقة الملونة بورد الغروب على ضفة المتوسط وتلك المدينة النضرة أين تلتقي الجبال بالبحار بأساطير البعث والميلاد… رسمت كل ذلك لارا أحداثا حية، ناطقة وأصبحت الكلمة روحا، وأصبحت الروح حياة.
فمن هي لارا؟
لارا “حلوة”، لارا “سجر البن” و “فيها إيه” لو لارا أيضا تكبر يوما بعد يوم، عملا بعد عمل ولحنا بعد لحن أيقونة للجمال والإنسان.
ولنعد إلى ثمانينات القرن الماضي، الأردن 1983، العام الذي كست فيه بلاد النشامى الثلوج مضفية عليه ملامح الشيخ الجليل في الفترة التي كان يعاني فيها لبنان ويلات الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي.
وسط جميع هذه التمخضات، تنبعث لارا عليان إلى الوجود وكأن القدر يقول لنا أن القادمة ستكون ذات يوم -بعد ثلاثين سنة تقريبا- شعاعا من نور وسلام يهدي الفكر والأفئدة وسط حرب أخرى أشد ضراوة وبغضاء من سابقاتها.
من استمع إلى لارا عليان تغني “يا حنينة”، “على طريق عيتيت”، “الشام”، “هلا تركنا”، “تحت الشتي”.. وغيرها من الأعمال الفلكلورية الأخرى، يعي أكثر من غيره تفاصيل الحياة التي رسمتها لارا عليان صحبة موسيقيين وشعراء ذوي قامات عالية من أمثال الشاعر الكبير “طلال حيدر” و “إياد قحوش” والموسيقار الرائع “عمر عباد” إذ أن اجتماع الكلمات بالموسيقى الأصيلة بالصوت والأداء الذي تقدمه روح سامية مشبعة فكرا وجمالا ولدت على إثره حياة تحمل عناصر متناقضة في طياتها لتعمل على التألف بينها وإيجاد اﻷمل لخلق توازن مثالي، الأمر الذي أعتبره شخصيا علامة فارقة لأعمال لارا عليان الفنية.
فمن هي لارا مرة أخرى؟
لارا هي الأم، لارا هي مكسيم، ولليل أقول والنجوم: في لارا طفلة تغني ليعم الكون السلام ولارا كما كتب طلال حيدر “حلوة… متل البنت عم تركض بنوما تتكمش عصافير، وبتفيق بتلاقي على المخدة بعد بكير، متل منامات الصيف، لو نسم هوى بتطير، حلوة متل تدمر عم تجهز صبية وما حدا بيعرف شو بدو يصير…”
ولارا حين يغني فينا الوطن…