لا المنجّية.. لماذا لا نستطيع قول (لا)؟!

لماذا لا نستطيع قول (لا)؟!

لماذا نتردد كثيرًا قبل أن نقولها؟!..  أو أحياناً نؤجلها فيكون الرفض أبشع أسلوبًا وأسوأ تأثيرًا؟!

إن كلمة (لا) لحق يكفله لنا وجودنا الإنساني، فنحن لنا الحق أن نرفض ما نشاء ومن نشاء وقتما نشاء، فلماذا نتخاذل إذًا وقت اتخاذ القرار؟! هل يذكرنا ذلك بآلام مررنا بها جرّاء هذا الرفض فيدفعنا جانب الرحمة وبعضًا من الرفق إلى التنازل عن هذا الحق والموافقة؟!

هل تأثرنا بنتائج الرفض تلك التي مثلتها ثوراتنا حين خرجنا لنقول لا في وجه هذا الدكتاتور وذاك، ثم وجدنا أن نتيجة هذه الـ(لا) كانت غير مرضية؟!

هل دفعنا هذا كله إلى قول (نعم) وإن لم نقصدها؟! ها نحن نري نتيجة هذه الـ(نعم) غلاء وجوع، قتلى وجرحى،  دمار وخراب، إرهاب وتسلط، فاشية ودكتاتورية..

لكن؛ دعنا من هذه النظرة المجتمعية تلك ولنلقي الضوء قليلاً علي هذه العلاقات الإنسانية الصغيرة، الأبسط والأقل تعقيدًا، ماذا يمكن أن تحدثه كلمة لا من ضرر في نفوسنا؟!

تشير الدراسات إلى أن نفس مناطق الدماغ يتم تفعيلها في حالة الرفض كما لو أنها واجهت الألم الجسدي،  حقيقة غريبة تؤكدها مادة الأسيتامينوفين، والتي تخفف من حدة الألم الجسدي، حين منحت لبعض من المشاركين في الدراسة وطلب منهم تذكر تجربة رفض مؤلمة، وُجِد أن الألم الشعوري لديهم أقل،
ناهيك عن ما ينتجه الرفض من تزعزع الثقة بالنفس وانتشار العدوانية والعنف..

ولكن الرفض يمكن التعامل معه، فقليلاً من الاستسلام لمشاعرنا كالبكاء والإحباط والشعور بالإخفاق والألم طبيعي جداً، ثم التعبير عن هذه المشاعر الناتجة عن الرفض بالبكاء أو الكتابة وسماع الموسيقي أو الرسم وقليلاً من مواجهة الواقع والتفكير العقلاني وإحاطة نفسك بالأصدقاء لقادر علي تخطي الرفض وتبعاته المؤلمة، ولكن ماذا حين نتنازل عن حقنا الأصيل في كلمة (لا)؟!

إن عدم القدرة علي قول لا يشعرنا بالاستياء من أنفسنا، وعدم اتساق نفوسنا، والكثير من خسارة النقاط حين نقيّم ذواتنا، ناهيك عن الكثير من الكذب لمجرد أننا لا نستطيع أن نقول لا بحزم وحسم لشخص يطلب منا ما يفوق قدرتنا، أو علاقة عاطفية مضطربة لمجرد أن (لا) ستفقدنا الشعور باهتمام أحدهم، أو أن نرضي بالدنية من ديننا ودنيانا مخافة أن نقول لا في وجه حاكم جائر..

إن (لا) تلك الكلمة الصغيرة قد تقينا مصارع السوء ولكن، كيف نقول لا دون أن نؤذي مشاعر أحدهم؟!، كيف نقولها دون أن نشعر أحدهم بعدم الاهتمام؟!، دعنا نقول، كيف نتجنب الوقاحة حين نعلن رفضنا؟!

إن (لا) يجب أن تأتي حاسمة مجردة ثم يتبعها قول رقيق، لا أقول للعزاء وإنما لبعض التوضيح فمثلًا تقول لأحدهم “آسف لا أستطيع المجيء، ربما في وقت لاحق”، أو أن تذكر الأسباب إن وجدت، أن تقول لأحدهم “أسف ولكني لم أفكر في علاقتنا بهذه الصورة لطالما أعتبرتك صديقًا”، كلمات بسيطة محددة تسبقها كلمة “آسف” قادرة على خلق استقبال رفض أفضل، ورسم علاقة أبسط بين البشر بدلاً من هذه التشابكات..

إنّ (لا) تلك الكلمة الصغيرة حق أصيل لك، اكتسبته منذ عامك الثاني حين أدركت ذاتك وأدركت اختلافك عمن حولك فلا تتنازل عن هذا الحق على كبر، قلها يا رجل، قلها ولا تخف..

فرغم كل شيء تظل هذه الـ(لا) الأصدق والأكثر حسمًا والأكثر تعبيرًا عن اتساقنا مع ذواتنا وأننا مازلنا رغم كل ما يعصف بنا نعرف ما نريد وما لا نريد، لا نقبل بالمتاح ولكن نسعى لما نريد، إنّ هذه الـ(لا) حق وواجب.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version