لحظات عصيبة عشتها في دمشق

الثورة السورية مستمرة حتى زوال الطاغية

خرجت من صلاة الجمعة من أحد مساجد دمشق وكالعادة ذهبت إلى محل أحد أقاربي المجاور للمسجد الذي نصلي فيه وجلست مع قريبي وبدأنا نتبادل الأحاديث المعتادة من الحالة التي يعانيها النازحون وصعوبة المعيشة والبعد عن الأهل والأحباب وأيضاً الحالة الصعبة التي يعيشها أهلنا في الغوطة المحاصرة منذ عدة أشهر.

وسط الحديث دخل أحد الزبائن إلى المحل فقام إليه قريبي واستقبله وأجلسه معنا فإنه من الزبائن الملازمين للمحل وبينما هو جالس بيننا فإذا بهدير الطائرة تخطف أسماع الحاضرين من شدة صوتها كانت الغارة على مدينة المليحة، كون المعارك على أشدها هناك وصوت سيارات الإسعاف لا يكاد يهدأ وسط العاصمة دمشق فقال قريبي “برداً وسلاماً على أهلنا”.

فاحمر وجه الرجل واستشاط غضباً وصرخ بصوتٍ عال بل ناراً وبركاناً على أولئك الإرهابيين وبدأ يصيح ويتكلم بكلام لا يمت إلى الأخلاق بشيء ولا للدين “كفر بالله والرسول وكلمات نابية” لا ترقى لأن تخرج من فم رجل سوي أو ذو أخلاق.

فبدأ قريبي يبرر له أنه يقصد بها أهلنا المظلومين في الغوطة الشرقية وأن الناس لا يستطيعون الخروج بسبب الحصار وأنه لا يوجد لهم مأوى سوى منازلهم في تلك المناطق ونحاول بشتى أنواع الكلام أن نتخلص من المأزق الذي وقعنا فيه وهو يرد بغضب وصراخ أن كل الموجودين داخل الغوطة إرهابيون ولا فرق بين مدني وعسكري ولا طفل ولا امرأة كلهم سواء.

حاولنا بكل الوسائل تبرئة أنفسنا من المصيبة التي وقعنا فيها فالمنطقة التي نسكنها كانت تعج بالمراكز الأمنية فأي كلمة أو افتراء على أحد من أهالي المناطق المحررة لا يستدعي التحقق من قائله ولا التحقيق مع المفترى عليه بل تودي به في غياهب السجون إلى أجلٍ غير مسمى هذا إن خرج حياً.

صمت للحظات وقال لنا تذكروا هذه الكلمات جيداً؛ “عندما نحكم السيطرة ونتمكن من الذين خرجوا ضدنا (يقصد نظام الأسد) سيتم القتل والذبح على الهوية ولن نرحم أحداً وسنقتل الطفل قبل الكبير والمرأة قبل الرجل لأننا لا نستطيع الثقة بأي أحد خرج ضدنا أو فكر بالخروج علينا.”

ثم ترك كل الذي أراد شراءه وخرج من المحل وهو ما زال يتكلم بكلمات الكفر على الثورة والثوار وكل الأهالي في الغوطة الشرقية.

فأي حقد يحملونه علينا حتى أنهم سينتقمون من الأطفال وأي كره يغل في قلوبهم تجاه من خرج يطالب بأدنى حقوقه وهي أن يعيش حراً كريماً.

أذكر وقتها أنني لم أنم ليلتها وعشت متوتراً لأكثر من أسبوعين خوفاً من أن يرسل لنا من يعتقلنا، بعد هذا الموقف شعرت أني قد ولدت من جديد.

ذاك الرجل البالغ من العمر حوالي الخمسين لم يكن شخصاً عادياً ولا حتى عنصر مخابرات وإنما هو ضابط في القصر الجمهوري ومن المقربين لبشار الأسد.

فكلماته التي تكلم بها نابعة من حقد دفين وعقيدة تشربها من ذلك النظام المجرم وليست كلمات عابرة وإنما هو مخطط مدروس ومتفق عليه من قبل العصابة الحاكمة ريثما يحكموا قبضتهم على زمام الأمور حينها يكملوا مسلسل الإجرام بحق كل من خرج ضدهم.

تنويه: في الوقت الذي ذكر فيه قصة الذبح على الهوية لم يكن هناك ما يسمى تنظيم الدولة (داعش) الذي ذاع صيته بالذبح.

فبالنتيجة: إن صفات الذبح والقتل والتنكيل والتعذيب موجودة عند نظام الأسد وزبانيته فهو مدرسة في الإرهاب والإجرام الطائفي فذلك يعتبر منهجهم في القضاء على كل من فكر في الخروج ضدهم حتى ولو أبادوا الشعب بأكمله المهم عندهم هو بقاءهم على عرش الحكم.

السؤال هنا: إلى متى سنبقى على هذا التفرق والتشرذم وعدونا يخطط ويدبر المكائد لنا ولا يفرق بيننا فجميعاً هدف لتلك العصابة المجرمة.

متى ستدرك فصائلنا أن هذا النظام المجرم لا يرضخ إلا بالقوة ولا يمكن التفاوض معه لأنه غير معترف بها أصلاً؟؟

متى سنعي حجم الخطر الذي يحيط بنا ويهدد وجودنا؟؟

متى سنتبنى قضيتنا الحقة والتي خرجنا من أجلها في ثورتنا برفع الظلم والقهر عن أهلنا؟؟

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version