هل تحب طفلك؟ بالتأكيد.
هل تجلس معه؟ أحيانًا، تعرفين اليوم أصبحت متطلبات الحياة كثيرة والحياة سريعة جدًا، والوقت يمر سريعًا كُل منا مُنشغلاً في عمله.
هل تفعل أي شيء مع طفلك؟ في العطلات نسافر مع العائلة، نقضي وقتًا طيبًا.
هل تخصص لطفلك وقت محدد تجلس معه؟ في الحقيقة، لأ.
ومن هنا سأبدأ بالحديث، نجد الآن الأبناء والأطفال مُنشغلين طوال الوقت بالألعاب الإلكترونية والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وعند غياب أي من هذه الأشياء يفتقدها الأبناء أكثر من افتقادهم لآبائهم، ونجد تأثر الأبناء بعوامل خارجية كثيرة، خارج محيط الأسرة، وأصبح دور الأسرة يضمحل وكأنه مقتصرًا على الطعام والشراب والحصول على المال، فما يكون لنا إلا أن نحصد أجيال من السيئ إلى الأسوأ.
وأنا الآن لن ألوم أحد، لكن سأكتفي بطرح المشكلة ومحاولة إسقاط الضوء على حلول جُزئية لعلنا نتحرك في يوم من الأيام ونترك ما نتمسك به من الزيف لأجل المعنى والأصل.
سنذهب لمشاهدة طفل يطرق باب مكتب بالمنزل تُنجز فيه أمه أعمالها، ويدخل إليها الطفل ويطلب منها أن تلعب معه فتخبره بأنها بعدما تُنجز عملها ستلعب معه وعليه أن يذهب الآن، وبعد دقيقتين يرجع الطفل مرة أخرى ويلح على أمه، وهكذا وفى كل مرة تُخبره بعد إتمام العمل ستلعب معه وتشعر الأم بهذا الإلحاح من طفلها أنه طفل مُشاغب يتجاوز حدوده ولا تستطيع إتمام عملها منه.
ولكن أمر الطفل طبيعي فكل طفل وكل إنسان بشكل عام يعرف الحب بلغات، فمن لغات الحب “الوقت النوعي”، أي أن الطفل بحاجة لوقت تتواجد فيه أمه معه، تشاركه وقته، فيشعر الابن بهذه الطريقة بالحُب؛ فكان من التصرف الأصح على الأم أن تذهب مع طفلها وتشاركه لعبه لمدة خمس عشرة دقيقةً، تملأ فيها خزانه العاطفي من الحب، ثم تعود لإتمام عملها بعد أن ملأت رغبته العاطفية والنفسية.
يُهمل الكثير من الآباء والأمهات فكرة التواجد مع الأبناء، والتواجد الذى نقصده هو قضاء معهم وقت نُسميه “الوقت النوعي”، و”الوقت النوعي” ليس تواجد الأبوين مع طفلهما فقط، وإنما لابد من إرسال رسالة دائمًا للابن من هذا الوقت: “أنت مهم، فأحب أن أكون معك”.
وعندها يشعر الطفل بأنه أهم إنسان فى العالم بالنسبة لأبويه، ويزرع فيه بأنه إنسان محبوب بصدق، وأنه له قيمته ومُقدر في هذا الكون؛ لأن أبويه يُخصصان له وقتًا وجهدًا، فيُدرك معنى التقدير وينعكس على ذلك تقديره لمن حوله وينشأ إنسان مُتزن نفسيًا من الداخل.
ولابد من أن تضع في اعتبارك أن العامل الأهم في الوقت الذى ستقضيه مع طفلك ليس هو الحدث نفسه ولكن أنكما تفعلان شيئًا معًا ووحدكما، فعندما تخصص وقت لكما تقضيانه معًا في فعل شيء علاوة على أنه سينقل لطفلك مدى حبك له بالمعنى الصادق، سُتحسن من شخصيته وسلوكه وعلاقاته الاجتماعية، لأن هذه المشاركة في الفعل حتمًا سيصطحبها المشاركة في الحديث والأفكار والمشاعر والتى تعد هي البنية التي تُصنع منها شخصية الفرد.
وتأكيدًا على ذلك يقول أستاذ التعليم في معهد كاليفورنيا “فيل بيرجس”: “لم يكن ابني يتحدث كثيرًا إلى أن بدأنا ممارسة الجولف معًا بانتظام”.
ودائمًا يتعلل الكثير بقلة الوقت وسرعة الحياة كما ذكرنا -من قبل- وهنا سأحكي لك عن امرأة “سوزانا ويسلي” قامت بتربية عشرة أطفال في إنجلترا في القرن الثامن عشر، فقد خصصت هذه المرأة ساعة أسبوعية لكل طفل على حدى لتقوم بمشاركته بعمل خاص به، فأصبح أبناؤها شعراء وكُتاب ورجال دين، وفي هذه الفترة الزمنية لم يكن لدى النساء فيها إلا فرصة ضئيلة للتقدم، قامت بإعداد بناتها بالتعليم الكامل، وقالت هذه الأم الحكيمة لابنتها ذات مرة “إن المجتمع لا يوفر مساحة أمام ذكاء نسائه” وقد أصبحت ابنتها معلمة فيما بعد.
وإذا ظللت تتعلل، فأقول لك: لابد أن تتيقن أنه على الأمد البعيد، لن يكون للكثير من الأشياء التي تفعلها الآن أي أهمية وما سيبقى هو ما تفعله مع أولادك.
ولابد أن تأخذ حذرك وتعطي الوقت النوعي الذى تحدثنا عنه أهميته الحقيقة، لأنه من الممكن أن تكون لغة الحب الأساسية عند طفلك هو “الوقت النوعي” مثل ذلك الطفل “جاريد” عندما تم سؤاله هل يحبه أبواه، قال: “أنا أعرف أن والدي يحبني لأنه يقضي وقتًا معي؛ فنحن نفعل العديد من الأشياء معًا، أما أمي أعلم أنها تحبني، ولكننا لا نقضي كثيرًا من الوقت معًا لأنها عادة لا تشعر بأنها بحالة جيدة”.
وهنا الطفل يُدرك أن أبواه يحباه، ولكن من يملأ خزان عاطفته باستمرار، ومن يشعره بقيمته!
وفي النهاية احرص على ملأ خزانة عاطفة أطفالك بلغاتهم الخاصة، وكما تخصص وقت للآخرين، فالأولى بذلك هم فلذات الكبد ومن سيسألك الله عنهم.