لن تنغصوا علينا عيدنا، فأنتم مهرجون…

«أنا لا أضحّي لأني أرى في التضحيّة هرج وخرم. تتوقّف الحياة في العيد ويضطرب العمل ويغزو المدينة الريف. يحصل انخرام في السير واختلال في العيش المشترك. خلال نحو شهر، تصبح تونس اصطبلا كبيرا. في كلّ بقعة، هناك سرّاح ومعهم أغنامهم وبعر وبول كثير.». يقول جامعي تونسي.

وتقول أستاذة صحافة تونسي: «لن أضحي بكبش من أجل عادة بربرية».

وأقول للاثنين ولمن شابهوهم أو وافقوهم:

«سأضحي بكبش، لأن ربي أمرني وكل من قدر -عليه- بذلك».

ليس من أجل عطش للون الدم، وليس للتشفي بما أحل لنا الله، وليس لتقليد أجدادنا، وليس متاجرة أو سمسرة.

ولكن لأن الله عز وجل الذي به نؤمن ولشريعته نمتثل، أراد لنا في العيد وأضحيته باب رحمة بغيرنا، وحبا لهم.

أكيد أنكما تجهلان أن الأضحية جعلت ليعطي منها صاحبها ما شاء -دون تحديد- لمن يعجز عن أكل اللحم في سائر الأيام.

أكيد أنكما تجهلان أن في العيد اشتراكا في الفرح والمسرة والأكل والعوز المادي..

أكيد أنكما لا تعلمان أن الله عز وجل قد ابتلى سيدنا إبراهيم بأن حرمه من الأبوة دهرا، ولما رزقه ابنا، أراد امتحان امتنانه وشكره له فأمره بذبحه ولما امتثل لأمر ربه، نجى ابنه، وقال تعالى: «وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)» (سورة الصافات).

أكيد أنكما لا تجدان ضيرا في رؤية الثيران تعذب بالطعن وتغمد السيوف في قلوبها، فذاك في نظركم ترف غربي ما بعده حداثة، على عبثيته ومجانيته وبربريته.

أكيد أنكما لا تعتبران غرس السكاكين في الإبل حية في مهرجان «موسم» المغربي بربرية، فهي «أصالة» و «جزء من السياسة الترويجية للسياحة» و «فولكلور» شعبي موغل في القدم.

أكيد أنكما لا تحتملان «الريف» و«السراح»، فهم أصل البشرية ولا يجد منبتان كتلكما أي تماثل “identification” مع أهلهم، فالريف أصل ثقافتنا الشفوية ورحم الخيال الاجتماعي لنا جميعا به تغنى علي الرياحي و “Charles Aznavour” و”Jacques Prévert” وفيه نشأ رسولنا الأكرم خير خلق الله صلى الله عليه وسلم.

أما «السراح»، رعاة الإبل والأغنام، فرسولنا كذلك كان منهم، وأغلب الرسل كانوا يرعون الأغنام، فكانوا ولازالوا الأغنى خيالا والأعلى همة والأفصح خطابا والأجود قولا والأسمى خلقا وفعلا، وبذلك، لا أظنكما ترتقيان لمستوى هؤلاء، فلن يردوا عليكم أبدا.

وعن «البعر»، تغنى امرئ القيس وقال:

فَـتُـوْضِـحَ فَــالمِـقْـراةِ لـمْ يَـعْـفُ رَسْمُها          لِـمَـا نَـسَـجَـتْـهَـا مِـنْ جَـنُـوبٍ وشَمْـألِ

تَـرَى بَـعَـرَ الأرْآمِ فِــي عَــرَصَـاتِـهَـــا           وَقِـيْــعَــانِــهَــا كَــأنَّــهُ حَـبُّ فُــلْـفُــل

وقال ذاك الأعرابي، من الريف: «البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير»، وجهلكم بأدبيات الريف وعمق شاعريته وأبوته للإنسانية، يدل على رد فعل وغريزة “un instinct” حميرية حاقدة، لمن يعاني فراغا في الخيال والعاطفة والوعي الأثنولوجي والإنساني.

وأكاد أجزم أن من كان حاقدا على ديننا وعمقه الإنساني والاجتماعي بحجة التعفف عن ذبح «un mouton» كما تقول أستاذة الرداءة الإعلامية، ليس إلا متبعا لقول الشاعر: «عاش من عرف قدره»، فهو ليس ممن يفقهون أدبيات البادية التي غمرها مديحا سانت ايكزوبيري “Saint-Exupéry” في كتابه «تحليق ليلي» “Vol De Nuit” وأخلاق ومعاملات الإسلام التضامنية المتفردة التي مجدها “Karl Marx” وغيره من المنظرين الاجتماعيين.

مثلك يا من لقبه ظلما “Chiha” «شيحة»، تلك النبتة الجبلية الزكية، لا يتفوه إلا بنتن القول في الإسلام، فيرتد عليه قوله لأنه ببساطة قول حاقد باطل، كقول الذئب في تمر نخلة باسقة لا يقدر على جنيه «تمرك صيش -سيء- ما نوكلوش»، وقولك يا صاحبة لقب «الشرفي» عديمة الشرف الأكاديمي، يجعلك أضحوكة الجامعات التونسية، ينطبق عليك قول المتنبي «ومثلك يؤتى به من بلاد بعيدة كي يضحك ذوات الحداد البواكي».

أحبتي، لا تحفلوا بأشباه المثقفين المتنطعين. وليكن عيدكم حبا وتضامنا وبهجة ومهرجانا إنسانيا به وفيه نلتقي ونرتقي.

كاتب التدوينة: نوفل قروي

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version