لن نغفر.. ولن ننسى

عجزت عن الكلام وتأملت في المقدمة ماذا أكتب؟؟
من أين أبدأ سرد قصتنا كسوريين؟؟
كيف سيتحرك قلمي ويخرج من فاه العبارات والمشاعر؟؟

لقد جف قلمي وصم لساني حين وضعت العنوان، إلى أن بدأت ذاكرتي تتدافع الأفكار والذكريات التي عشناها خلال سنين الثورة، ذكريات لم أتذكر هل كنت مولودا على هذه الأرض قبلها، أم أن ذاكرتي الكبيرة لم تستطع تحمل تذكر سوء المعاناة والألم والظلم والجوع والحصار.

نعم هذا حالي وحال كثيرا من السوريين مع اقتراب دخول العام السابع للثورة السورية، حينما خرج الشعب السوري رافع شعارات الحرية والكرامة ورفع الظلم، ويصدح بصوته الأعذب ”الموت ولا المذلة” وشعار ”يا الله ما لنا غيرك يا الله، يالله الشعب أعزل يا الله”.. ليكون شعار النظام السوري وقتها ”الأسد أو نحرق البلد”.. لتكون بداية تاريخ جديد يفتح على أرض سورية، لتمر ست سنين وتسعة أشهر والشعب السوري الأبي لا يزال متشبث بشعاراته، ونظام الأسد الظالم والمجرد من الإنسانية قام بقتل واعتقال الأحرار وحرق وتدمير البلد..

ليصدح لسان السوريين:

لن نغفر لدول العالم كافة وأبناء جلدتنا خاصة من الجيش الأسدي الذين قتلوا 500000 حر من أحرار الثورة، واعتقلوا أضعافهم، وشردوا الملايين باسم الأزمة والمؤامرات الخارجية وتطهير الإرهاب..

لن نغفر لأصحاب اللحة والذقون الذين لمعوا صورة نظام الطاغية وأفتوا بالقتال إلى جانبه، ضد الشعب تحت ما يُسمى ”إرهابين”..

لن نغفر لمن يسمون أنفسهم دعاة الإنسانية والسلام، الذين جعلوا من القضية السورية مركبا لتحقيق المصالح والأهداف..

لن نغفر لرواد الفنادق والمؤتمرات والسياحة والسفر باسم تحقيق مصالح الثورة والثوار..

لن نغفر للذين يدعون الأخوة والصداقة من دول الجوار، الذين خذلونا وأغلقوا حدودهم بوجه المهجرين، وأسكنوهم في المخيمات تحت حر الصيف وبرد الشتاء..

لن نغفر لمن هاجر خارج البلاد ونسي قضيته وشعبه، وبدأ يروج للمعاملة الحسنة والاستضافة الطيبة (التي يوجد أهداف خبيثة من خلفها) للدولة التي يقطن فيها، بل بالعكس بدأ يشن هجوما على الثورة والثوار..

لن نغفر، للميلشيات الطائفية المشكلة من العصابات والمرتزقة التي أباحت دماء السورين واستباحت أموالهم وممتلكاتهم..

وأخيرا لن نغفر لمن لوث ثورتنا وبث فيها الفتن والنزاعات لتصل المرحلة إلى قتل الأخ أخيه من أجل الفصيل الفلاني والشرعي الفلاني..

لن نغفر.. ولن نغفر.. القائمة طويلة بالخزي والعار الدولي..

ليقول قائل: ما هذا الحقد الدفين والكره المجنون الذي وصل إليه هؤلاء الأحرار.. ليكون الرد مناسبا وقاسيا:

كيف تريدنا أن نغفر أو ننسى لتلك المآسي والمعاناة..

كيف تريدنا أن ننسى، 6 سنوات رُوِيت خلالها أرض بلادي بدماء زاكية طاهرة تفوح رائحتها الأنحاء والأرجاء لأبطال ضحوا بأنفسهم من أجل قضيتهم الخضراء..

كيف تريدنا أن ننسى انتظار آلاف المعتقلين.. الموت بات راحة لهم من عذاب يذوقونه في سجون النظام منزخمون بصراخ يصل صده نجوم السماء ويعتنق الأرض الحمراء..

كيف تريدنا أن ننسى جروح لم تندمل فوق الأسِرة البيضاء تكوي بآلامها وأوجاعها ذكريات الأصحاب والأحباب..

كيف تريدنا أن ننسى كلمة بابا التي يتردد مسمعها ليل نهار على الأيتام وذلك الأمل المعلق في قلوبهم، عسى يأتي يوم يرجع الوالد من المشوار الذي بات كذبة لا تصدق إلا بقلوب الأيتام..

كيف تريدنا أن ننسى الثكالى والأرامل، قلوبهم فجعت وعيونهم لم تنكف عن البكاء عندما انتهى مشوار الأبطال في جنة الخلد تحت عرش الرحمن..

كيف تريدنا أن ننسى من دفن تحت الركام والأنقاض ومن بقي يصارع الموت تحت سقف أو بناء..

كيف تريدنا أن ننسى من مات جوعا وعطشا تحت وطأة الحصار..

كيف تريدنا أن ننسى؛ قد يجف قلمي عن الكتابة وتفرغ ذاكرتي عن تذكر تلك المعاناة التي نعيشها يوميا كسوريين..

نعم لن نغفر ولن ننسى، وسوف يتوقف التاريخ والمؤرخون كثيرا في سورية وهو يؤرخ بطولات الشعب السوري، ويسرد إن الشعب السوري رفض الخنوع والانقياد، وكان شعارهم حتى آخر قطرة دم منهم:

”الموت ولا المذلة”

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version