مدونات أدبية

لن نفترق! لكنها مجرد سحابة عابرة!

دوما يريد الإنسان أن لا يفارق ما عليه، حتى وإن كانت تلك الأشياء لابد له من مفارقتها كثدي أمه أو رحمها أو حتى هاته الدنيا، لكن عندما يتعلق الأمر بشيء ارتبط به قلبه يكون الأمر أكثر صعوبة، خصوصا إذا كان قد بنى على ذلك قصورا من الأحلام الوهمية التي تتلاشى بمجرد أن ينهدم الأساس الذي كان قد بنيت عليه..

هكذا حال بعضنا عند الفراق تختلف القلوب والأسماء ويبقى العذاب نفسه، هكذا كان حال أحد الأشخاص، إنه أمير يحاول أن يواسي نفسه بتجاهل الواقع، لا يريد أن يتذكر تلك الأيام التي كانت سبب صدمته لأنه كان في اعتقاده أنه سيكون أسعد الناس لكن بين ليلة وضحاها أصبح أشقاهم..

لقد أظلمت الدنيا أمامه، وأغلقت جميع أبوابها في وجهه، فبدأت الكوابيس تطارده ليل نهار، وأحيانا يتحدث مع نفسه، تارة تراه يبتسم حينها تنقلب ابتسامته فجأة إلى دموع وأحزان، من كثرة ما يجلس لوحده منعزلا عن الآخرين كره كل من حوله، واعتقدهم أنهم من طينة واحدة..

في إحدى الليالي كعادته كان يتأمل السماء وسط الظلام، ويستمع إلى أغنية iubito ويردد كلماتها: “يوبيتو دشكسي ولآن سو وبلسكيني ملوكس”..

بينما كان يتأمل في القمر وسط تلك النجوم، بدأت تتشكل غيوم وبدأ القمر يتسلل بداخلها، كأنه يختبئ عن ناظره، لكن بعد لحظة بدأ شعاع القمر يمزق تلك السحب العابرة، وكأنه يقول له لن أتركك لوحدك، إنها مجرد سحابة عابرة، لن تستطيع أن تحول بيني وبينك، فغابت روحه بين كلمات بدر شاكر السياب كأنه يتجسدها حرفا حرفا:

هبت تغمغم: سوف نفترق … روح على شفتيك تحترق

صوت كأن ضرام صاعقة … ينداح فيه، وقلبي الأفق

ضاق الفضاء وغام في بصري … ضوء النجوم وحطم الألق

فعلى جفوني الشاحبات وفي … دمعي شظايا منه أو مزق

فيما الفراق؟ أليس يجمعنا … حب نظل عليه نعتنق؟

حب ترقرق في الوعود سنا … منه ورف على الخطى عبق

أختاه، صمتك ملؤه الريب؟ … فيما الفراق؟ أما له سبب؟

الحزن في عينيك مرتجف … واليأس في شفتيك يضطرب

ويداك باردتان: مثل غدي … وعلى جبينك خاطر شجب

ما زال سرك لا تجنحه … آه مؤججة: ولا يثب

حتى ضجرت به وأسأمه … طول الثواء وآده التعب

إني أخاف عليك واختلجت … شفة إلى القبلات تلتهب

ثم انثنيت مهيضة الجلد … تتنهدين وتعصرين يدي

وترددين وأنت ذاهلة … إني أخاف عليك حزن غد

فتكاد نتتثر النجوم أسى … في جوهن كذائب البرد

لا تتركي لا تتركي لغدي … تعكير يومي ما يكون غدي

وإذا ابتسمت اليوم من فرح … فلتعبسن ملامح الأبد

ما كان عمري قبل موعدنا … إلا السنين تدب في جسد

أختاه لذّ على الهوى ألمي … فاستمتعي بهواك وابتسمي

هاتي اللهيب فلست أرهبه … ما كان حبك أول الحمم

ما زلت محترقا تلقفني … نار من الأوهام كالظلم

سوداء لا نور يضيء بها … كرقاد حمى دونما حلم

هاتي لهيبك إن فيه سناً … يهدي خطاي ولو إلى العدم

هي ومضة ألقى الوجود بها … جذلان يرقص عاري القدم

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

حمزة الغانمي

مدون مغربي، من مدينة طنجة من مواليد 1996.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى