ما بين أنجلينا جولي ومشاهيرنا الذين صنعَتهم الأنظمة

كانت مستفزةً ومهينة الصورُ التي انتشرت لممثلةٍ سوريةٍ منذ أيام والتي تَظهرُ فيها إلى جانبِ مجموعةٍ من الفقراء وفي وضعيات متعددة، وكل ذلكَ كان تحتَ عنوانِ مساعدة الفقراء، والحقيقة أنّه لا شيء في تلك الصورِ كان يوحي بأنَّ في الأمر مساعدةً؛ ملابسٌ استعراضية ومبتذلة وأقرب منها للإذلال وليس المساعدة، ومكياجات وتصوير وكأننا في حفلة استعراضية.
الممثلة السورية رنا الأبيض تلتقط صوراً لنفسها مع الفقراء والمتشردين في دمشق بطريقة أثارت الرأي العام

وربما حاولتْ تلكَ المسكينةُ بفعلها ذاك بشكلٍ أو بآخر تقليدَ الفنانةِ الأمريكيةِ الإنسانة أنجلينا جولي، ظناً منها أنها ستنال حظوةً وقبولاً مثلها لدى الناس، لكنها بالتأكيد فشلت وأيما فشل، وذلك لأنها لم تنتبه إلى نقاط وحقائق مهمة كثيرة، وأهمها أن الشعوبَ العربية عامةً والشعب السوري الذي تنحدر هي منه خاصةً، قد فقدَ في الآونة الأخيرة الثقةَ تماماً بكل المشاهير والممثلين الذين صنعتم الأنظمة حتى وإن أجادوا تمثيلَ دور الإنسانية، فهم ماعادوا في نظر السوريين فنانين ولا مشاهيرَ أبدا، بل أصبحوا في نظرهم شياطين خرس يرونَ الظلمَ جهاراً نهاراً عياناً ولايكتفونَ بالصمت عليه، بل يناصرون الباطل ويقفون معه.

الأمرُ لا يقتصرُ حقيقةً على مشاهير سوريا، بل يتعداه إلى مشاهير العربِ أغلبهم إلا ما رحم ربي والذين لم يقفوا مع الحق البائن في أحداثنا الأخيرة، ولم نطلب منهم نحن ذلك والتمسنا لهم الأعذار وقلنا ربما خَشوا على أنفسهم وعوائلهم إن صدحوا بالحق من بطش تلك الأنظمة التي لاتخشى الله ولاتعرفه أصلاً، ولكننا توقعنا منهم الصمت والحياد على الأقل إزاء مايحدث، الا أنهم خذلونا ووقفوا ضدنا علناً وأقرّوا ذلنا وقتلنا ووافقوا عليه ونحن الذين رفعناهم وصنعنا منهم نجوماً وكنا جمهورهم الأوحد، لكنهم لم يأبهوا بكل ذلك وفضلوا الوقوف مع قاتلنا ضدنا ومع الجلاد ضد الضحية.

ولايقتصر ذلك الخذلان على الممثلين والمغنين والإعلاميين عندنا، بل يتعداهم إلى اللاعبين والرياضيين أيضا والذين ادّعوا كذباً بأن السياسة أمر مستقل ولادخل له بالرياضة، ولكنهم ناقضوا أنفسهم حين أداروا ظهرهم لشعوبهم وراحوا يلعقون أحذية السلاطين ضاربين بعرض الحائط كل المجازر التي حصلت على أيدي أولئك الطغاة، وذلك بالرغم من أن ضحايا تلك المجازر كانوا أبناء مدنهم أو أحيائهم أو أقربائهم حتى.

الشيء الوحيد الذي يجعلك صادقاً في نظر الآخر هو أن تساوي نفسك به وتعيش حالته كي تحسّ بإحساسه وعيش حالته.

فليعلم هؤلاء الذين يحاولون اليوم خداعنا والترويج لأنفسهم بأعمال إنسانية ساذجة أننا ماعدنا نصدقهم مهما فعلوا، وإن كانوا يظنون أنفسهم ممثلين فهم بالتأكيد لم يعد بإمكانهم التمثيل علينا بعد أن كشفنا حقيقتهم، ولينتبهوا إن أرادوا خداعنا والفقراء في المرة القادمة إلى نقطة هامة..

وهي أن أنجلينا جولي التي حاولوا تقليدها وادعاء الإنسانية مثلها كانت تبدو حين تجلس مع الفقراء واحدةً منهم ولا يستطيع أحد تمييزها عنهم، وأجزم أيضاً بأنها حين تكون بين الجائعين كانت تعيش الحالة معهم وتجوعُ قبلهم وتبرد مثلهم لتشعر بهم، وهذا الشيء الوحيد الذي يجعلك صادقاً في نظر الآخر وهو أن تساوي نفسك به وتعيش حالته كي تحسّ بإحساسه، وعيش الحالة لايقتصر على المشاهير، بل الأهم منهم هم حكامنا الذين يعيشون في بروجهم العاجية، فمن أين لهم أن يشعروا بما نشعر أو يفهموا معاناتنا كشعوب وبيننا وبينهم كل هذه المسافات إن لم ينزلوا إلينا؟!

هذا، وليس أنجِلينا فقط هي الإنسانة، بل أغلب الفنانين والمشاهير هناك مثلها يحملون إنسانيةً لايمكن لأغلب الفارغين عندنا حملها، ويحضرني هنا مثال آخر للإنسانية حصل مع الفنان براد بيت في فيلمه الشهير “12 عاما من العبودية” وذلك حين كان عليهِ أداء دور يتلفّظ فيه بألفاظ عنصرية ضد السود، فما كان منه إلا أن توتّر وانهار بالرغم من كون الأمر تمثيلا حتى شجّعه الممثل الأسود على ذلك وقال لهُ بأن الزنوج معتادون على مثلِ هذه الكلمات العنصرية من العامة، ولكنّ الممثل الأسود حتماً كان يعلم في قرارة نفسه كممثل بأن التلفّظ بتلك الألفاظ إن كان سهلاً على العامةِ فهو بالتأكيد ثقيل على الفنان؛ فالفنان هو كتلة من أحاسيس، وهو قدوة الناس وواجهة بلدهِ، وإن هانَ الغلط على الآخرينَ فهو بالتأكيد لايمكنه أبداً أن يكون مثلهم.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version