ماذا لو تحدثت الحياة!

بِلِسان الحياة

الولادة هي بوابة تعبرونها نحوي، منذ صرختكم الأولى التي هي بمثابة ختم يحمله كل من هو مرحب به عندي في حين يحرم منه آخرون يعودون أدراجهم.. فتصبحون ملكي حتى يحين موعد مغادرتكم.

في البداية أنتم تجهلونني ولا تعرفون شيئا عني بل لا تعلمون حتى أين أنتم وكيف وصلتم إلى هنا، ثم يوما بعد يوم وعاما بعد عام تتبين ملامحي أمامكم وفكرة تلو الأخرى تتعرفون إلي.

رغم أن لكل واحد أمه إلا أني أمكم جميعا لذا أضع أمامكم جل الطرق وأدع لكم حق الاختيار، وأنا التي تضع في طريقكم كل تلك العوائق التي تصادفونها أعلم ما من أم تصعب أمرا على أولادها، أعلم أني أم قاسية لا ترحم وأحيانا كأي أم أفقد السيطرة على أولادي، لكني أريد منكم أن تتعلموا من أخطاءكم وأن تتحملوا مسؤولية اختياراتكم..

نعم هي في نظركم عوائق لكنها في نظري عواقب تتلقونها جراء رسوبكم في امتحانات حضرتها لكم عسى أن تتعلموا وتجتهدوا في امتحان آخر، أما أولئك الذين يتمادون فإني لهم بالمرصاد ولهم قصاصهم.

كل منكم يظن أن له حياته الخاصة، إنها لخدعة مني.. أنا وحدي هنا لا يوجد غيري.. حياة واحدة تعيشونها جميعا كل على طريقته.. أُخول لكم حق التصرف لكنكم مجرد دمى ألاعبها وقد أكسرها لأصلحها وأجعلها أكثر صلابة من ذي قبل..

يا أولادي مهما تظاهرتم بالقوة فأنتم ضعفاء لأبعد حد، ومهما ظننتم أنفسكم أذكياء وعلى دراية بما يجري أنتم أغبياء، ومهما اعتقدتم أن بإمكانكم الفوز بل ومهما فزتم ستخسرون لا محال..

أنا أمٌ؛ أولادها كثر ولِأعرف الصالح من الفاسد أحضر لكم امتحانات فمنكم من يستعد ويدرس جيدا ومنكم من لا يبالي ومنكم من يستغبيني ويعتمد أساليب الغش وإن يكن فكل ينال نصيبه، إن أخطأتم وبختكم وإن أحسنتم جازيتكم..

وأنتم أثناء امتحاناتكم أضع أمامكم مفاتن عدة لتشتيت انتباهكم لكي أرى مدى ثباتكم ومتانة جوهركم، فأنا أود أن أراكم متشبثين بمبادئكم وأفكاركم وأحلامكم، حاملين دائما للأمل رغم كل ما تمرون به، أضعكم في حيرة وضيق اختبارا لكم لتجدوا مفتاح الفرج لعلكم تقدرون ما بين أيديكم..

أنا على دراية أنكم تلعنونني ألف مرة وتتمنون لو لم تكونوا يوما هنا، لا بأس فأنا أيضا ألعنكم عندما لا تحسنون التصرف ألعنكم محبة لكم لأني لا أريد لأولادي أن يصبحوا سيئين بعدما كانوا أنقى من النقاء، لا أريد لبياضكم أن يتسخ وحتى إن اتسخ أريد منكم إعادة تلوينه بنور الصفاء..

أغويتكم حتى صرت همكم الوحيد، كل واحد منكم يفكر كيف سيعيشني بل وكيف سيرضيني لأقدم له ملذاتي ومتعتي، لكن طعم الحلاوة هذا يا أولادي طيب وأيضا مسكر كنبيذ أحمر وكرائحة الصندل المحروق يذهب عقولكم، وما إن تستردون وعيكم تجدون أنفسكم وسط فوضى عارمة لن تستطيعوا لملمتها، فالشاطر هنا يدرك أن كل ذلك مجرد إغراء أما المتهزر فهو ينساق مع أهوائه وهذا يكون الامتحان الأصعب الذي أغلبكم غافل عنه..

التهيتم يا أولادي بما زينته في نظركم وبرغباتكم التي لطالما انتصرت عنكم.. التهيتم ببعضكم البعض، إنكم إخوة أعداء كل منكم يصطاد الآخر وينصب له كمائن ليوقع به حتى أنكم لم تلاحظوا أن أمكم أصبحت عجوزا وكل يوم تزداد في وجهها جعدة إني لفانية يا أولادي وأوصيكم أحبوا بعضكم وأحبوا أنفسكم وأفرغو قلوبكم من كل ما هو سواد، ودعوا النور يدخل إليها لا أريد مشاهدة أطفالي يتقاتلون من أجلي فأنا أم حضنها كبير يكفيكم كلكم ومحبتي لكم هي سواء ومن يظن أني أكرهه أو لست في صفه فإني صارمة معه لأصلحه محبة له..

كونوا يدا واحدة وسندا لبعض ما نفع سعادة أحدكم إن كان أخوه تعيسا، اركضوا خلف أحلامكم لكن ليس على حساب آخرين والتفتوا لامتحانكم الأكبر والأخير قبل أن تسحب منكم الورقة ويحين موعد مغادرتكم ويحتبلكم الموت بحبائله.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version