جلس صاحبنا على المقهى كعادته يُدخن لفافة تبغ ويحتسي قهوته السادة، وحيدًا لا صديق له ولا حبيب، وصوت محمود درويش يشق الفراغ قائلًا: “تُنسى كأنك لم تكن، تُنسى كمصرع طائر، ككنيسة مهجورة تُنسى، كحب عابر، كوردة في الليل تُنسى”.
اليأس دفّاق كالسيل، اليأس يتسلل إلى الإنسان فى بلادنا كالأفعى، يقتحم الأبواب ويجعل المدن تُقصَف، اليأس هو العاصفة التي سوف تدمر الأرض الخضراء واليابسة فى وادينا.
لم يَعُدْ صاحبنا يشتهي الكلام، كل القضايا أصبحت تافهة، خيبات الماضي التي تحاصره، حاضره الباهت، ومستقبله المجهول، لم يَعُدْ شيء يجذب انتباهه، من يأبه به فى هذا العالم الواسع؟ أو كما يقول الشاعر النمساوي راينر ماريا: “هذا العالم نُشيّده فينهار، ثم نُشيّده ثانية فننهار نحن”.
قام صاحبنا يتجول فى الشوارع، قام يبحث فى وجوه البشر عن دافع للاستمرار في الحياة، لم يرَ إلا وجوهًا بائسة يائسة يملؤها الحزن والخوف. رائحة الهزيمة والانكسار تفوح من أجسادهم، أتلفتهم دائرة الحياة الروتينية المملة، تبلّدت مشاعرهم وفرغت أرواحهم من المعاني السامية والآمال الكبرى.
لشد ما يحتقر صاحبنا هذا العالم الكاذب المأساوي، لشد ما يحتقر القتل والعنف والدم والنفاق، تسيطر على صاحبنا أحيانًا فكرة الفناء، أن ينزوي ويغيب، يا لها من فكرة مُريحة، لا مسؤوليات، لا ضغوطات، لن يكون مضطرًا أن يتظاهر بالحياة، لكنه يجد نفسه كالعادة جبانًا.
بالتأكيد لن يفعل هذا، فما زال ينتظر شيئًا يحدث له فى حياته يستحق العناء، ما زالت حفنة من الأمل تأتي وتذهب، يا إلهي! ماذا يحدث تحت فروة رأس صاحبنا؟
هو نفسه لا يعلم.