منذ فترة وأنا متوقف عن كتابة أي شيء ربما فقدت الإلهام أو ربما أصابتني تعاسة الحروف والعجز الشتوي فأنا لا أحب فصل الشتاء غالباً أو هكذا أعتقد.
لكن شيء ما دفعني للمحاولة من جديد وبدأت أفكر عن ماذا سأكتب وكيف لحروفي أن تصطف من جديد، إنها محاولة انتحارية للعودة خاصة أنني أخترت أن أكتب عن الحب وأنا لا أجيده!
لست بأكثر البشر رومانسية ولا أدعي بأنني مرهف الحس والوجدان فأنا لا أتقن نسج أبيات غزلٍ شعرية ولا أعرف طريقة تغليف الهدايا وابتكار الحيل والخيالات، وأرتجف خجلاً عندما يتعلق الأمر بمشاعري، لكنني على الأقل أجيد الوفاء ولا أدعيه فأنا بطبعي أتعلق بالأشياء وخاصة عندما يتعلق الأمر بالحب وهو حياة بأكملها
ووصفته بالحياة لأنه فعلاً كذلك، فكيف لنا أن نعيش بدونه، فالحب لا يقتصر بمفاهيم ولا يوجزه تعبير ولا يخضع لمنطق التعريفات والأسس وهو كترياق حياة يمنح لصاحب مرضٍ عضال وكماءٍ يروي زرعاً أخضراً
تستطيع تشبيهه بكل ما هو جميل وبهي لكنك لن تستطيع اختزاله أبداً في أحدهم فكل واحدٍ فينا ينظر إليه بمنظوره الخاص وتختلف تعابيرنا، همساتنا، أحاسيسنا، حتى كلماتنا في وجوده كما نتباين في عطائه، فمنا من يمنح حبه لمكانٍ يرتبط به أو لشخصٍ يرى في عينيه حياةً تخصه أو لعائلةٍ تمنحه سعادةً وأمناً والأمثلة كثيرة وكلٌ يغني حباً على ما يهواه!
هذا جانب الحب المشرق الذي تدق له القلوب وتبرق له العيون، ولكن هنالك جانب آخر مجحف ومظلم ولا يحق له أن يلتصق بالحب أيضاً لا أدري ما هو مسماه غير أنني قد أصفه بدموع الليل وصراخه ودقات القلب وخفقانه وضيق الصدر وبطلانه وسوادٍ أسفل عيونٍ ساهرةٍ تناجي بألمٍ يزهق الروح ألف مرة ومرة وأنين خلال النوم يتخللها أطياف الصحوة الأولى التي يظنها العاشق الأخيرة
من يصابون بهذا الداء المقيت لا يروون بالحب حياةً أبداً ولا يؤنس بالهم سماع الأغاني وترانيم الأفراح، قد يؤرقهم اللون الأرجواني وتفجعهم البدايات الجميلة، هؤلاء ليسوا معقدين ولا يعانون أمراضاً نفسية، لا تستغرب من عشقهم للأسود، ولا تسأل أحداً منهم عن سبب صمته المفاجئ ولا عن دموعه التي انهالت أمامك فجأة رغم أن شيئاً لم يحدث وربما حدث لكنك لم تراه فقد كان طيفاً ماراً أمامه أو كلمةً لا تلقي لها بالاً أعادت تشغيل ذاكرته الدفينة ونفضت الغبار عن مشاهد بالأبيض والأسود رغم أنها التقطت في عصر الجودة الفائقة لكن سوء الختام جعل منها قاتمة بجودة منخفضة في العرض وفائقة الألم في الإحساس.
جميعنا يرى ما يحب من الحب، نحن الذين نشكله ونصنع منه الجمال والألم، لكل منا نموذجه الخاص وتجربته الفريدة، فكل قصة حبٍ هي الأجمل والأكثر شراسة وهي الأشد آلماً ووقعاً على أوتار القلب فلا مجال أن نقارن تجاربنا سوياً فليست كل القلوب تنبض بنفس الآلية عند الحب، وليست كل العيون جذابة وإن كان بعضها خداعاً والضحية هنا ليس نحن بل الحب نفسه.
إذاً فتعريف الحب هو فراغٌ كبير ينتظر منك أن تملؤه وفق تفاصيلك لصنع مفهومك الخاص أنت ومن تحب أياً كانت نوع العلاقة وهو مرتبطٌ بالنهاية فقط فالبدايات ليست مهمة وما يتخللها من تفاصيل تصبح عديمة القيمة عند كتابة الفصل الأخير من الحكاية.
لكن مهما اختلف رؤيتنا وتنوعت مفاهيمنا الخاصة فلنحافظ على الجوهر، ماذا لو عممنا هذه المشاعر التي نخص بها شيئاً وعممناها شيوعاً في حياتناً وأصبحت ميثاق حياة ومنهج، صدقاً ستكون حياتنا أجمل “تحابوا وامنحوا الحب وداً.”