منثورات إشعيا

من اللحظات التي تصنع الفارق، هناك أزمنة بعينها تأخذ بأحداث ما، تصيغها وتعيد ترتيب ملابساتها، لتجعل من الفرد الإنساني مهرجانا لحظيا، يصنع لقطة استيتقية لا تحمل من فن البقاء سوى معنى الإرادة والرفعة، ضمن خواطر تتألف من الكثير من المبهمات التي من شأنها الرضوخ لما بدأ في ستراسبورغ، وتمت المصادقة عليه في لشبونة، بحضور الحكماء الاثنا عشر دون نقصان.

من مهالك الروح أن التخطيط لدى البعض يدق في نعوش البعض الآخر، فتكون فئة منهم على دراية تامة، وتبقى الفئة الثانية على جهل كامل، وبهذا يستيقظ الإنسان من سلطته مبيدا الكثير من التفاؤل، في وسط يغذي الوهم بشكل مطرد لا يتوانى في تعديل الرداءة وبناء الثقة بين كيانات ترتصف ضمن مبدأ الدومينو، أو تصبح عصية على المشاهدة ضمن الظاهر الصوري لمشهد البجعات البيض مثلما يحدث مع البجعة السوداء دائما.

لا يمكن للإنسان أن ينتبه لبعض التفاصيل، لكنها تصنع الفرق بشكل حاسم، بعض المتغيرات تجعل الفرد إما أقوى أو أضعف، ضمن اطار يفصل الكثير من الاحداثيات وفق مستجدات لا قبل له بمحاكاتها، فهي تبني صورة غريبة تعيد تكرار ما لها من تجديد للقوائم والركائز بشكل دوري، حيث يتبلور الكل ضمن دائرة تقع في الفلكـ، ثم يعاد تدويرها دون أي جدال، وبشكل سلس.

الفرق بين الأمم في درجات التطبيق للرؤى، والبشر مثل الأمم، فما يقع على مستوى الأفراد، سيقع حتما على مستوى الشعوب، يتم هذا وفق آليات تجند المعطى الروحي للإنسان، وهو قابل للاتساع كلما أراد ذلك، ومع هذا لا يتخطى الفرد كونه قادر على اعادة رسم معالم ركنه المقدس، حيث تعيد اللحظات تدوير ما تم استهلاكه، من أجل الحفاظ على ما عمّ من النظام، مما يعطيه الحق في البقاء.

يرتفع الفرد الإنساني بروحه رغدا، يبني أواصر تجعله يفكك كل ما له من أسباب وعواقب، ثم يمسح الصورة برمتها إن ما أجادت عليه الحياة بفرصة لرسم أخرى بشكل أكثر احترافية، هي عملية لا تحدث باستمرار، لكنها تحمل بذور استعادة النفخ الجميل في جسم الرعاة الذين يحمون العالم مما يحدق به.

لا يمكنك أن تتوقع شيئا في حالات مثل هذه، لا يمكن لأي كان أن يجد فكرة تلتقي بأخرى ضمن حلقة تفكير واضحة، لأنّ العالم الذي يجعل الفرد قادرا على تأليف نواحيه في لحظة عابرة بسرعة، هو عالم خارج التوقع، يقوم على حسن التصرف، والذي لا يُتاح للجميع، حيث تُعتصر الحياة في حقائقها بشكل لافت، وبأيادي باردة.

ما يبنيه العقل ويستكين له المنطق، يعيد الإنسان الفاعل تجنيده من أجل تجديده، حيث يصبح قابلا للإعارة والتجسيد، هكذا تهيمن الأمم على أمم أخرى، وبالطريقة ذاتها يصنع السيّد ويُرهن العبد، أو بالأحرى يرهن العبد روحه؛ فالعالم الذي لا يحتكم لهذه الخطوط العريضة من الصراعات هو عالم غير موجود؛ هناك دوامات معيشية مفتعلة وأخرى عفوية، الأولى لها حساباتها التي أعدت سلفا، بينما الثانية تحتاج لقناصة عقول مهرة، يحملونها على تنفيذ أهدافهم، بشكل يجعل من الوهم واقعا حيا، وبالتالي فإن أي حركة يكون لها السيناريو الذي يناسبها بشكل افتراضي-واقعي، لا نظير له ولم يسبقه إلى حقله أيا كان.

علاقة الفرد بالحياة تحددها المتغيرات التي تحدث أمامه، وبذلك تتكون لديه الكثير من الاتجاهات التي ترفعه إلى مصاف الحضور المعنوي، فهو المسؤول عن قوامه الذي يجعله أكثر إقناعا يوما بعد يوم، لكن وللأسف قد تحدث الكثير من المتغيرات، تقود الروح نحو اتجاهات سحيقة، لا تحمل سوى الانتكاسات المختلفة، والفارق بين هذا وذاك، هو مدى تكوّن الأفكار وملاءمتها للمكان والزمن الذي يخضع لها.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version