من وحي غيثة

المرأة سيد الأيام والحرف الذي يستعصي على كل المعاجم

إلى “أوميل”: شذرات من أحاديث طلبة بدو حالمين..

كم كانت غيثة بهية الحضور ذلك الصباح الآذاري، الذي غازلت فيه النوء وجه الأديم بحنو لامتناهي، وهي تشرح وتبرهن لنساء مدينتها، في عيدهن؛ عن حتمية وجوب ثورتهن ضد القيود الرجالية، المنبعثة من حب السلطة، وحب السحق نكاية في الجنس اللطيف، الذي حرق بجذوة حبه جوانح المتدثرين بشوارب كئيبة..

أخذت تسرد بتفنن، وتقلب صفحات تاريخ الثامن من مارس، وتحكي كيف نقشت المرأة إسمها على محياه، بدءا من سنة 1856، يوم خرجت فيه آلاف النسوة للاحتجاج في شوارع “مدينة نيويورك”؛ على الظروف اللاإنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، وكيف كان الجلاد بعبعا مقيتا، وتدخل بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات، وكيف انتصرت نون النسوة، ودفعت أصواتها المبحوحة بالمسؤولين، إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية..

استمرت غيثة في سرد فصول سيرة يوم المرأة، متوقفة عند الثامن من مارس من العام 1908، لما عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد، في شوارع “مدينة نيويورك” وكيف بذكاء وحنكة، حملن قطع الخبز اليابس، وباقات من الورود، في خطوة رمزية، لها دلالتها، إذ اخترن لحركتهن الإحتجاجية تلك؛ شعار “خبز وورود”..

بعد ذلك، استرسلت غيثة في الحكي، عن مخزونها من روائع الأدب العالمي، وخصوصا ما جاد به قلم “فلاديمير نابوكوف”؛ في رائعته العالمية “لوليتا”، والتي صور فيها الإستغلال المقيت للنساء، من طرف الرجال.. وحبهم للملكية، في صورة من صور الترميم لنقص مكنون في صورة النفس..

وكيف استغل “هامبرت” تلك الصبية البريئة ذات الإثني عشر سنة، كي يبعث فيها صورة محبوبته، ويشبع نفسه الممتلئة بالحرمان حد الحرقة..

كانت غيثة غاية في الروعة، وهي تعطي قرائتها للرواية، وتسقطها على المجتمع، والنسيم المنبعث من نافذة القاعة، يغازل “ملحفتها” اللازوردية اللون، وهي كالمهى تتنطط بغنج ودلال قائلة

أن “لوليتا” هي تلك الرواية، التي تتحدث عن رجل، أراد أن يمتلك طفلة في الثانية عشرة من عمرها، ويتحكم بحياتها؛ فتسبب بموت والدتها (شارلوت) بشكل أو بآخر، وأبقى الفتاة الصغيرة، لديه جاعلا منها عشيقة وسبية..

وكيف حاول “هامبرت”؛ أن يخلق من الطفلة لوليتا؛ نسخة عن حبيبته “أنابيل لاي”، التي مثلت حب طفولته الضائع، وغير المتحقق..

فكان عليه أن يحطم تاريخ “لوليتا” الحقيقي، وينتزع منها شخصيتها الحقيقية، ليستبدلها بتاريخه المفقود، وشخصية حبيبته القديمة..

وهنا تتقاطع طابوهات المجتمع مع رواية “لوليتا”، تلك المقدسات التي عمدت منذ أيامها الأولى؛ إلى طمس هوية الأنثى، وتعزيز الهوية الذكورية الواحدة..

وكيف كان الرجل يأسر خيال المرأة، مثلما قدم “نابوكوف” شخصية “هامبرت” في الرواية، باعتباره المرجع الوحيد الذي تملكه لوليتا، ولا يمكن إلا أن تلجأ إليه عند الضرورة..

ومثلما دمر “هامبرت” “لوليتا”، -الحلم- عبر استبدال ماضيه المشوه بمستقبلها الطبيعي، فإن السطوة الذكورية، دمرت مستقبل المرأة، وشوهت أحلامها..

كانت غيثة واقفة شامخة كآلهة إغريقة، ترمي بشرر وجوه الشر، من وجهها المليح، وهي تداعب خصلات شعرها؛ غير مبالية بمن كانت تتبول على رؤوسهم ملء مثانتها، من سدنة المعبد -الأبوي البطريركي-، بكلام لا يشبه الكلام:

مضى زمن الصمت أيتها النساء، وكما خضت لجج القواميس من غير فلك، وأكلت من ثمار وصلها في غيبة البعل، دون أن أخشى من أن يكون شيطان الكتابة والأدب أدلاني بحبل مفتول بالغرور، يمكن أن تفعلن، فما نيل المطالب بالتمني، ولكن تأخذ الدنيا غلابا..

لقد كانت غيثة مصممة على إزعاج أشباه الرجال، وهي شاخصة ببصرها في خطوط الضوء، المنبعث من تغزل الشمس، المحتشمة خلف الضباب بالمكان، تلعن بنبل أنثى شهية حد الحرقة، وتصرخ بصوتها المهدج، وشعارها المعهود ضد إستغلال حواء، وتبصق بمرارة حزينة على تلك الطواطم الرجالية؛ التي صورت سيدة الكون كحذاء يمشي مشي التربية والطبخ والإنجاب، وكيف رسمت لها بريشة فنان فاشل، ومغرور، صورة مقتبسة من كل أواني المطبخ، كأن الرجل لا يستطيع الطبخ ولا يجيده..

وكيف أن غالبية المهاجرين، يشتغلون طباخين في أرض المنافي المختارة، والمضطرة، ليعودوا إلى زوجاتهم كأمراء لا يتحركون ولا يحركون ساكنا، وليس لهم في الأمر سوى نقص مكنون، يريدون به إخراج حرقة العمل المتواصل، على أنغام صرير السرير..

انطلقت غيثة في الكلام اللامباح تحت أشعة شمس الصباح، وهي تغازل الكلام من فاه بدوية مخملية القسمات، و مما زاد الحضور رونقا هو ملحفتها اللازوردية الشفافة، التي تكشف عن مكنون الجمال في مفاتنها المتحررة، وهي تصرخ ملء عنفوانها المشاكس، وصوتها المهدج يزداد روعة حين يعيده الصدى:

تخيلن معي يا نساء الكثيب الكئيب، أن تستيقظن على وجبة الفطور معدة بحب رجولي، ووردة رومنسية على الطاولة، مضمخة بحبكن وبحقكن في المساواة..

تخيلن؛ أن يصير الرجل قصيدة عشق، مقفاة بروي الحب والود والوئام، تخيلن أن نرى الرجال في يافطات إشهارات الأعمال المنزلية، وأن تفاجئ إحدى النساء بزوجها، ملتحف بوزرة الطبخ وهو يعد طبخة عشق، متوبلة ببهارات “الميتاحب”..

أليس رائعا أن نحترق بجذوة ولواعج المساواة، بدل كلمات الحب والعشق، المنبثقة من معاجم قيس وجميل؟!..

أليس ممتعا وشهيا كالشبق، أن تسمعي رجلا يتغزل بك وسط أقرانه؛ معترفا بحبه لك حد التدله والوله أمامهم، بدل بطولاته الماجنة معك؟!..

ما أروع أن يأتي رجل بكل قوته وجبروته، فارا من برودة أرصفة الحياة، إلى امرأة أحبها، ليقول لها بملء قلبه، لن أسقط إلا دفء في قلبك..

ما أجمل أن ترى اثنين أحبا بعضهما البعض، حد الموت والإنصهار، وأثمر حبهما عن زواج إنساني، عشقي طبيعي، يتبادلان تحت سقف حبهما، آيات التكافل، كما يتبادلان آيات الحب والعشق والنجوى..

استدراك: آسف سيدة الكون والحياة، فكل ما أملك من عبارات لن تكفيك حقك في عيدك؛ الذي أومن حد التصوف أنه ينقصك لا يزيدك، فكل الأيام أيامك.
جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version