مدونات الرأي

من يهدد الأمن الثقافي في الجزائر؟

هل يهدد فناني الملاهي الليلية الأمن الثقافي في الجزائر؟

هناك صراع يدور بين الإعلام في الجزائر من جهة وعادات وتقاليد الشعب الجزائري من جهة أخرى، إعلام يروج لفناني الملاهي الليلية من خلال حصص تلفزيونية تبث عبر شاشات الشعب، الأمر الذي تراه شريحة كبيرة من المجتمع أنه مرفوض دينيا وواقعيا وتقليديا، وما هو إلا معيار لبداية العد التنازلي للقضاء على شرف المجتمع..

ربما لأن الشعب الجزائري محافظ دينيا ويحاول الحفاظ على ثقافته، لكن الإعلام يحاول كسر حاجر التحفظ على مجتمع نظيف، ويريد إقناع الرأي العام كله أن فنانين الملاهي الليلية مجرد أقلية جزائرية يرفضها المجتمع بدون سبب رجعي ومقنع!..

وهذا ما أحدث معركة اجتماعية ساخنة بين الإعلام وبين بعض طبقات النخب الفكرية في الجزائر، الذين يتسألون عن الأمن الثقافي الذي بدأ يتزحزح أمام أنظار شاعر ومثقف كبير مثل الوزير عز الدين ميهوبي، لماذا لا تتدخل وزارة الثقافة في فصل هؤلاء عن الثقافة الجزائرية المعروفة والمحافظة؟

لماذا لا ترفع الوزارة حالة طوارئ وتفرض رقابة من درجة الأولى على هؤلاء؟

طالما الشعب يرفضهم ويرفض أخلاقهم، تهاون الوزارة من جهة ومساندة الإعلام لهم من جهة، جعلهم الأقلية الفنية المظلومة والمضطهدة عند بعض من يتعاطف معهم، أو ربما فتح ثغرة كبيرة لتدمير الأسرة الجزائرية المحافظة، بنداء عاجل إلى أرباب العائلات، إن كان لك بنت أو ولد، الأول يريد أن يكون فنان في مجال الأغنية الجزائرية، فاعلم أن الملاهي الليلية هي فرصته الوحيدة لبوابة الشهرة، أو إذا لك بنت أردت ترويج عن نفسها وكانت حاضرة لسهرة فنية في ملاهي الليلي المعروفة فأتركها لأننا لم نعد في البادية بين الأمور الجاهلية، وإنما في بلاد أصبح فيها علمانة الوقت ضرورة حتمية..

هي رسائل يريد أن يرسلها الإعلام إلى الشعب الجزائري المحافظ، إلا أنه تلقى مقاومة فكرية من طبقات النخب الثقافية، أن مساعدة هؤلاء مجرد تثبيت فكرة فاسدة عنهم، ومحاولة فتح مجال لهم في جوف عادات وتقاليد الشعب الجزائري، مجرد مجزرة ثقافية تهدد الأمن الثقافي في بلاد مات عليه مليون ونصف شهيد، ومازالت مقاومة شديدة من أجل أن لا يتعرض إلا احتلال فكري يجعله ينحرف عن مبادئ الثورة النوفمبرية.

معركة وجود بين المتعاطفين والنخب الفكرية

تسأل بعض المتعاطفين مع فنانين الملاهي الليلية، لماذا قديما لم يرفضهم الشعب ولم تتكلم عنهم النخب الفكرية والثقافية، واليوم يحاول الجميع حذفهم من الخريطة الثقافية في الجزائر رغم أنهم جزائريين بالأصل والفطرة، راح أحدهم يذكر الفنان عبد الحميد عبابسة أنه كان نجم الملاهي الليلية قديما، ونعيمة الدزيرية التي كانت تجهز الأموال لثورة الجزائرية عبر حفلات الغناء في هذه الأماكن، لنفترض أن هذا الكلام حقيقة ومعروف عنه تاريخيا واجتماعيا، لكن في زمانهم لم يكن هناك يوتيوب أو فيسبوك أو تويتر لتصل حفلاتهم إلى الشعب الجزائري، بل لا يوجد أكثر من 10 سنوات مند أن دخل الشعب الجزائري كله إلى عالم تكنولوجيا والانترنت، فبدأت تصل إليه فضائح الملاهي، فبدأ يتخذ موقف ويشعر بتهديد هؤلاء الفنانين بأنهم خطر على المجتمع والأمة، ويجب أن يصنع سياج من الدين للمحافظة على أخلاق الناس وعدم تمكين هؤلاء من الوصول إلى عادات وتقاليد الشعب الجزائر المحافظ.

نعم ممكن يكون عدة فنانين اليوم هم مشهورون ليس محليا فقط وإنما عالميا مثل الشاب خالد، مروا على ملاهي الليلة وغنوا فيها وعرفوا واشتهروا من هناك، لكن في زمانهم لم يكن الشعب الجزائري يسمع أخبار عنهم سوى أشطرتهم الغنائية، والإعلام في دلك الوقت لم يكن متفتح مثل ما هو الآن، بل كان ممنوع على التلفزيون العمومي نقل أو بث فيلم أو شريط أو حصة تلفزيونية ممنوعة دينيا، وغير مرغوبة واقعيا..

لكن اليوم أصبح الشعب الجزائري يعلم جيدا أعداء ثقافته، ويعلم أنه لا يوجد خير في من يكسر قواعد الدين والاحتشام والعادات، لجعل من نفسه فنان الملاهي الليلة، خصوصا أن موقع يوتيوب ممتلئ بفضائح هؤلاء، لهذا أصبحت معركة وجود بين الإعلام الذي يحاول بطريقة غير مباشرة إظهار فناني الملاهي الليلية على أنهم قطعة من الجزائر يجب على الجميع أن يعترف بهم ويقدر تضحياتهم من أجل الوصول إلى الشهرة، أو بين النخب الفكرية والثقافية التي تتكلم باسم الشعب، والتي تحاول بقدر الاستطاع أن تنظف شاشات الشعب من هؤلاء الذين يحمل موقع اليويتوب فضائحهم، وأكيد يريدون الحفاظ على الأمن الثقافي باتجاه صحيح وليس فاسد.

تهاون الوزارة وعدم تدخلها في معركة الأمن الثقافي

لكن هذه المعركة لن تكون فاصلة، إذا لم تتدخل الوزارة من أجل وضع حد لهذه المهازل التي تضرب عمق الثقافة الجزائرية، إذا لم تتخذ إجراءات قاسية، إذا لم ترفع وتيرة الرقابة إلى حد أقصى، إذا لم تحمي الشعب الجزائري من التشنج العكسي للأخلاق داخل الثقافة، كل هذه الأمور إذا رفعت الوزارة يدها عليها، سيكون سلاح الإعلام القادم هو علمانية الإعلام، وإبعاد الدين كخيار ثاني للحياة الاجتماعية، وجعله حبيس المساجد، لا رفيق الناس في حياتهم اليومية الخاصة والعامة، في تلك الساعة ستنقلب الكافة وستكون حرب ثانية، من أجل تسهيل لفناني الملاهي الليلة من أجل أن يستقبلهم الشعب الجزائري كنوع من الثقافة الجديدة، وليس التي تعود على رؤيتها، يجب إدراج كل متعلقات الفنية بقانون خاص يحمي الأمن الثقافي..

كارثة حينما نسمع عن مديرية ثقافية في ولاية وطنية، تطلق حفل فني يضم أكثر من 9 فنانين من الملاهي الليلية، يحاولون الغناء لطبقة من الشباب الجزائري الذين لم يفهموا وضعية هؤلاء حتى يصنعون موقف منهم، لهذا نستطيع إنهاء الحرب على الأمن الثقافي وشرف العائلات وأخلاق المجتمع الجزائري، لو تخرج من مكتب وزير الثقافة قرارات صارمة تصدم هؤلاء وتجعلهم يلتزمون بقاعدة الأخلاق أولا قبل أن يكونوا فنانين ثانيا، لكن سيبقى من حقنا أن نسمي ما يحصل حاليا على المباشر هو تهاون الوزارة، لأنها الفاصل المحكم الذي يملك صلاحيات لتنظيف قطاع الثقافة، من كل الدخلاء العابرين إلى فن بمنطق آخر غريب عن الثقافة الجزائرية..

إذا كنا نستطيع أن نطبق قوانين صارمة لتسيير الأمن، ومعاقبة المخالفين، نستطيع أن نعاقب من يريد تشويه ثقافتنا ومحاولة إدخال إليها، بعض التعقيدات الحديثة العبارة للفحشاء وعدم الاحتشام وبعيدة عن التدين والتقاليد، الذي عرفناها طول حياتنا في بلادنا الحبيبة الجزائر، لهذا حينما تكون رقابة من الوزارة ضئيلة جدا، تكون الممارسات غير الشرعية اتجاه ثقافتنا مستمرة، ومهما يكون تهاون ستكون الاستمرارية من طرف من أجل القضاء على الأمن الثقافي الجزائري، وفتح صفحة غربية بعيدة عن الدين وعن العادات والتقاليد الجزائرية القديمة، ولن يكون هناك حل آخر إلا الصرامة القانونية مع هؤلاء من أجل المحافظة على الثقافة الجزائرية، ويجب أن يدرك الأستاذ مهيوبي أن هؤلاء لا يمثلون إلا فن المجهول الذي لا يستوعب ولا يدرك وغير محتشم ومرفوض من الشعب الجزائري.

غياب الشركات المنتجة عجل في ظهور فناني الملاهي الليلية

كثيرا من فناني الملاهي يشتكون من غياب الشركات المنتجة للموسيقى، وأنهم دائما يجدون فرصتهم في الملاهي الليلية، خصوصا أن الشهرة لم تعد تسجيل أسطوانة تحمل 12 أغنية، أو 9 أغاني، وإنما أصبحت مجرد فيديو لأغنية قصيرة، ينزل على موقع اليوتيوب أولا، ثم ينشر ويشارك عبر مواقع التواصل الاجتماعي..

إذا لا تملك دولة القدرة الكافية على تنظيم قوانين صرامة لوقف هذا الانتهاك الجنوني بحق الثقافة، على الأقل تقوم بتلقيح القوانين ليصدر منها إعلان تاريخي لم يحدث مند الاستقلال، وهو فتح الاستثمار للخواص من أجل الممارسة التجارية في قطاع الفن، لا يوجد حل ثالث سوى إعادة تنظيم قطاع الثقافة من أجل حمايته، لأنه الفاصل الوحيد لوجودنا حضريا بين الدول والأمم، لأننا جزء لا يتجزأ من الثقافة المغاربية القديمة، وحتى دور النخب الفكرية مع أنه فاعل بوقفتهم الأخيرة ضد هذه الأقلية الداخلية على الفن المتواضع الصحيح.

علينا إطلاق حملة من أجل أمرين مهمين، أولهما أن تكون هناك قوانين صارمة مثل ما ذكرنا، مع العلم أن هذا الأمر ينهك الخزينة المالية الجزائرية، أو تحديد قوانين صرامة بفتح استثمار الخواص، وتنظيم عملية تسيير قطاع الفن باحترافية تامة، بعيدة عن كل الانحراف الأخلاقي غير اللائق بمجتمعنا المسلم..

لنستخلص من كل التجارب القديمة والحالية أن مشكلة وزارة الثقافة في الجزائر، هي نقص في تنظيم، وغياب فن التحكيم، وعلى ديوان الوزارة تلقيم الحفلات من ضخمة المبالغ المصروفة عليها، لأن لقطاع الثقافة مؤسسات كثيرة، وعلى الميزانية أن تكفي لا أن تكن مكفولة بوعود زائفة، أو العودة إلى الخيار الثاني، وهو فتح الاستثمار إلى رجال الأعمال بالانتاج في مجال الفني ربما تكون الفرصة الوحيدة لتنظيم المحكم الذي ننتظره، لأنه من واجب الوطني أن تكون لنا القدرة الكافية لحماية ثقافتنا الجزائرية

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى