تعالي سيدة الهبل المشتهى، لنغني أمام العالم، ونصنع دهشة الحب في العيون التي ألفت الموت، ونغني معا ملء حناجرنا، حبيبان نحن حتى ينام القمر، بنغم عشقي يرشح بما في الأرواح، متجاهلين نوازعنا، بانتشاء المجانين، وبلا خجل، مهدهدين لها دون أن نقول شيئا..
تعالي فقد جن الليل سيدتي، واتقدت غرابيبه تلوح عتمةً تبشر بميلاد سحيق المدى، ترن له النجوم في كبد سماء شباط بأكاليل الضوء، حيث رمت به من عليائها، لينعكس ههنا، مضيئا لسراديب الزمن التي عبرتها حافية القدمين، عارية العينين من غبش يراد لكِ به أن لا تبصري الحياة؛ إلا كما يشتهون، وهم يتلون عليك تلموذ “عمى ساراماغو”، وأنت تجودين لهم آي “قنديل أم هاشم”، مهرولة في حج التنوير بين صفا الحرية ومروة الأخلاق بخطى ثابتة، منغرزة وجه أديم الأرض البوار، متزنرةً بيراعك، كأنك دونكيشوتة في ملحفة، تقطعين رؤوس دمى القبيلة، تحاربين طواحين نواميسها القميئة، وتشيدين لها من إعوجاج الضلع؛ مشانق مستقيمة نحو قاع العدم..
في كل ميلاد نحمل شموع حياتنا المتقدة إلى شمعدان الذكرى، فتسيل عبرات ذؤابتها بطيئة على خد تلك الشموع، تنعي يتمنا الزمكاني؛ الذي صنعناه بأيدينا عنوة، حين أسقطنا أبوية هذا الموروث البدوي البغيض، وسلطته المكفهرة المظلمة، وانتسبنا لذواتنا كورود برية، شكلت طين بداياتها بأياديها المرتعشة؛ بعدما عجنته برضابٍ ثملٍ من فاه الحياة، معمد ومتيمٍ بها، كأننا تطابق لما جاء به الوصف العبقري لـ”فيرناندو بيسوا“: ولدنا إذن في أوج القلق الميتافيزيقي، في أوج القلق الروحي، وفِي أوج اللاطمأنينة السياسية..
يا ابنة النوء، كان لقاؤنا قبل الميلاد بشهور قلة، كانت أيامها كافية لينتفض المسيح متمردا على صلبانه، ويعلن الحب معلقا في ذلك المذبح، نكاية في تصحر الأرواح، وجفاف المشاعر..
ومن يومها.. وأنت كما عرفتك؛ تلك الأنثى البريئة إلا من دم المحبرة، القابضة على جمر هذا القلق، ترسمين لحنينك خيمة نطاحة للكآبة كما تشتهين، تطاردين فراشات المجاز في حقول اللغة، قبل أن تسحبي جلد الغيمة الهاربة؛ لتكتبي عليها بماء الغدائر وعد الحياة بالحياة، ووعد السماء بقوس قزح، فمن أدرى منك بذلك وأنت ولادة الكثيب، الخارجة من شباط البرد والمطر، تمسحين بجرأة الكاميكاز خضابهم المداري للمخاط الذي هجر الأنوف وسكن الرؤوس، تكتبين، وتكتبين فينسل اليراع من بين يديك حرابا، وكل هذا وأنت تدندنين لحن الحياة الحنَّان ببحة شجية، لحنا درويشيًا مرسيليًا حزينًا: ونحن نحب الحياة، إذا ما استطعنا إليها سبيلا..
رتبي شموعك مولاتي، أوقديها واقفة، اجلسي في كامل ألق بهائك، تخيلي ذؤاباتها نيران أوجاعك، وانفثي عليها كل ما بعمقك المنهك، من تناهيد، فما الضوء إن لم يشتعل حياةً؛ سوى كذبة مخضبة ببهرج النور الخادع، فأنت الكمال الناقص من شباط، والنقاء المنبعج من قداسة الآلهة فيبروس..
فكل ميلاد وأنت الكمال لنقصاني، وآلهتي الصغيرة التي تطهرتُ في هيكل صبابتها من كل شوائبي..
كل ميلاد وأنت ميلادي الثاني يا أنا..