مِمَا لا يعني للعالم!

دخلت غرفتها ثُم فتحت حقيبتها التي تحتوي على كنزها الخاص أو بالأحرى كل ما تملكه من هذا العالم الصغير بها والكبير عليها، أخرجت منه قلم أهدته يومًا لها صديقتها حُبًا، ومفكرة صغيرة لها اللون الأصفر الهادي هذا وبها بعض الخطوط السوداء ورسمة حيوانها المفضل “الباندا”، تبتسم دائمًا حين تراه.. أيضًا أهدتها إياها صديقتيها معًا بعيد مولدها منذ أعوام ظنًا منهم أنها ستكتب رواية كما كانت تفعل وقتها وبالفعل في بدايتها بعض وريقات بها جزء من الرواية، لكن كانت تراجعت عن تلك الفكرة ولا تتذكر لماذا؟

رُبما كسلاً منها، تِلكَ تفاصيل مملة أليسَ كذلك؟ لكن تِلكَ المُفكرة والأوراق التي تملكها لم ترى يومًا التفاصيل مملة ولا ثرثرةً منها بل كانت دائمًا تشعر بأنها إذا اختصرت حديثها على الورق فهي غضبانه منها وكأنها تُحدثها وتُخبرها “ما بكِ؟..

أنا هنا لأجل تِلكَ الكلمات التي تعني لقلبك وتِلكَ الثرثرة التي ينفر منها البشر أنا الذكرى أنا يومًا إذا نسيتِ فأُذكركِ وأذكُرك أيضًا، أنا كل هؤلاء البشر الذين يريدون الاستماع لكلماتك ودعواتك للّه وما حدث معكِ حين انفك رباط حذائك بالأمس وتوقفتِ في منتصف الشارع تُخبرين حالك -أبلغ من الأعوام الثالث والعشرين ولا أدرك كيفية ربط حذائي- ثم تُكملين طريقك كعادتك مُتجاهله سقطاتك ونظرات البشر لكِ..

أتذكرين حين استيقظت في منتصف الليل مرتجفةً تبحثين عني ثُم ظننت ظن السوء بي أني فقدتكِ فبكيتِ كالأطفال حين تضيع لعبتهم أو تنتهي حلوياتهم، ثُم لم أخذلك كعادتي فعُدتِ تبحثين عني وتمسحين دموعك وتقولين “سأجدها هي هُنا بمكانٍ ما أنا لم أُضيعها أحتاج لأكتب كي أنام قليلاً” فتجدينني..

أتعلمين لماذا لم تفقديني يومًا؟ لأني لا أُريد أن أفقدك ولا أُريد أن أفقد الحياة، بتلك الكلمات تبعثين الحياة فِي أرى الحروف بذاك الحبر وأحيانًا مصحوبة بدموعك وأخرى صورة ابتسامتك ويومًا في شروق الشمس وآخر في الليل الحالك أو استمع لصوت سير السيارات من حولك على الطريق أو اختلاس بعض البشر لينظروا إلي فأجدكِ تُخبئيني مرةً أخرى بِمسكني أو كما أسميته أنتِ، مسكني هو أنتِ وكلماتك، يوم وثقت بي ووضعت حبر من قلمك ربما المفضل لديكِ لترسمين حروف فتخرجين كلمات لم تُخبريها لأحد غيري تعلمين أنه لم يراها غيري أنا ورب العالمين..

أخبريني ماذا فعلتِ حين وجدتِ مشروبك المُفضل باردًا في الصباح؟ “ذاك الكنز لا ينفك يُبهرني الأقلام الأوراق الكلمات التي لا أعلم متى صُيغت هكذا فيه ولا متى وهبني اللَّه إياها؟!، لو لم توجد يومًا أوراق ولا حروف ولا لغةً كلغتنا لمُتنا كمدًا مُحملين بسوء الحياة وذكريات وأشخاص ونحن أيضًا..

منذ فترةً ليست بهينة لم أكتب ولم ألمس القلم ولا المُفكرة ولم أقلب ورقة في كتاب أبكي كثيراً حين يسقط بيدي كتاب أو قلم ولا أعرف ماذا علي فعله.. فقط اليوم أول مرة أدرك الحروف فتجتمع فأخرجت تِلكَ الكلمات الثقيلة، حقًا هذا ليس بمبالغة كونك تعيش بنفس العالم التي حين تعود للبيت تذهب لتجلس بجانب أمك لتبكي منه دون ملاحظةً منها حتى لا تكسر قلبها الصغير الذي أنت بداخله.. وتستيقظ صباحًا لتواجه سوء هذا العالم وتعنته ورفضه إياك وتحطيمه لقلبك الصغير حينًا وحينًا آخر لأنك علمت بأنك كالإبرة في المحيط لا شيء، غير مرئي ولا موجود!..

ألا يستحق منك أن تبحث عن عالم آخر ولو داخل شيء مُحاط بغلاف تفتحه فتجد نفسك رحلت لعالم آخر لا يهم إن كان أكثر سوءًا من هذا العالم أو أقل، أليست فكرة الرحيل جيدة؟

فكرة أن تبعث في قلبك وروحك وعقلك شيئا جديدا؟

فكرة أن تستيقظ في منتصف الليل لأنك لم تستطع النوم لتُنهي ذلك الكتاب الذي ابتعث الأمواج بداخل مُحيط روحك؟

كل هذا يستحق، لو رحلت عن هذا العالم يومًا دون أي شيء وهذا ما سيحدث ستُرفرفر أرواحنا إلى السماء لكن كلماتنا، هؤلاء الأشخاص، كل ما مررنا به، طفولتنا حتى آخر عام من عمرنا سيُخلد سيُترك خلفنا على تلك الأوراق، لا تقلق على الأقل حين رحلت تركت خلفك أوراق تشهد عليك وعلى هذا العالم مُحملة بذكرى الأيس كريم حتى ذكرى فقدانك لصديقك هذا، هذا ميراثك هذا كل ما تُعنيه وكل ما حييت فيه تِلكَ الورقات إِليكِ أنا ممتنه لوجودك وحُسن رفقتك..

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version