ناموس الكون

منذ بزوغ فجر الإنسانية، في ذاك الزمن الغابر، هناك حين رفع قابيل صخرة دك بها رأس أخيه قابيل من أجل حسد ونزوة عابرة، ليحمل بعدها وزر البشرية، ليستمر الصراخ المميت بين بني آدم وحواء بين الإخوة والأشقاء.

وليعلمهم الأستاذ غراب كيف تُقبر الدماء حين تتلطخ بها الأيدي الأخوية، وشاءت الأقدار وسواد ثيابه أن تستمر وسمة العار على الغراب المسكين الذي ما كان إلا معلما حتى صار نذير سوء وما زاده نعيقه الصاخب إلا شؤما، أهكذا يرد المتعلم جميل معلمه! أم هو ظلم بني الإنسان حتى شمل الحيوان؟ على رسلك يا صاحبي أوليس الغراب هو المعلم فلعله هو من سبق بالجريمة وقتل أخاه، وبما أنه يعرف كيف يستر جريمته فلعله سبق وأن فعلها مرارا!!

تأمل معي لعلنا نعرف قدرنا ومن نكون، خلقنا من نطفة مذرة، وأصلنا تراب تطأه الأقدام صلصال من حمإ مسنون، وأرقى ملبسنا تنسجه دودة، وأطيب مأكلنا تصنعه نحلة، ففيما تصيح وأستكين وتتكبر وتتبختر وأرضخ لك.

تأمل في الوجود في الخلق في نفسك، الوجود كله مستقيم بطريقة معجزة تحت نواميس كونية، الشمس لم تتخلف يوما عن الشروق إلى أن يُؤدن لها مِن خالقها، النجوم والمجرات تسير في مساراتها ولا تتعدى إلى مسار غيرها، الكواكب الأقمار البحار، من المجرة إلى الذرة وأصغر من ذلك وأكبر، نواميس ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، أتدري لماذا؟ لتعلمنا الاستقامة والاستمرار على المبدأ، لتعلمنا أننا شيء واحد بلحمتنا واتحادنا، لتعلمنا أن أصلنا واحد وهدفنا مشترك وغايتنا متحدة، لتعلمنا أننا لن نتقدم قدر أنملة إن لم تكن لنا أصول متينة، تُبنى عليها فروع يكون منها الخير والنفع بإذن الله.

ضع حِملك وأثقالك واسترخي على ضفة نهر الحياة، أنصت لدقات قلبك وتدفق دمك، ألق بسمعك ووجدانك لتسمع السيمفونية الخالدة للكون، جدول النهر العذب يناديك، خرير المياه يداعب أناملك، نسيم الصباح يرمي بفتلات شعرك في الهواء الطلق، وهذه الأزهار من حولك تستفزك بألوانها الزاهية، وذاك الجبل الشاهق يدغدغ كبرياءك، وتلك الشجرة تبتسم لك وفي يدها فاكهة طازجة تهديها بسخاء وحب لكل محتاج.

غص عميقا داخل كيانك لترى الأسرار الباهرة، لترى بحرا على شكل لوحة بألوان مبعثرة تحمل معان يكتنفها التطفل والغموض، بحر فيه الأقحوان والريحان، فيه اللؤلؤ والمرجان، فيه السندس والاستبرق، فيه الحب والخيانة، فيه الصداقة والعذر، فيه الغل والحسد، فيه الجمر والدخان، فيه الدماء والأشلاء، بحر هائج بأمواج متلاطمة كليل مظلم قاتم تتخللها أشعة شمسية تطبع قبلاتها على الحقيقة بنور البصيرة بين الفينة والأخرى.

تبا لك يا بني التراب ما أتعسك، أما آن الأوان أن تنفض عن ريشك غبار الصراع، مفهوم القوي والضعيف منطق الغاب، أما آن الأوان أن تطير بجناحي السلام في أرض الله الواسعة، متى ستعلم أن الاختلاف ائتلاف، متى ستعرف أن الحضارة في الإنسان لا البنيان، متى ستعتزل الغذر والاحتيال، احتلتم على كل شيء حتى على الطبيعة، حتى إنكم أغضبتموها فقلتم غضب الطبيعة، فعلا إنكم معشر البشر أساتذة في الاحتيال، حتى إنكم لتستطعون بيع المشط للأصلع والإثمد للأعمش والضرير.

فأنا وأنتَ وأنتِ لنا رب واحد وأرض مشتركة ومصير موحد ونواميس كونية ثابتة، فلا يعقل أن نعبد ربا واحدا في زمن واحد بأديان مختلفة، فلنسموا بأخلاقنا ولنرتقي بأفكارنا.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version