يبدو أنّ عدم رضوخ الشعب التونسي لتوجيهات حُكّام الإمارات والتدخّل في شأنهم الداخلي السياسي والأمني قد أغضب القيادة الإماراتية التي تحاولٌ بدورها بسطَ نفوذها في مختلف أرجاء الوطن العربي والتصدي لموجة الثورة ضد الاستبداد والمٌضي نحو ديمقراطية تنهض من خلالها بالوضع السياسي والاقتصادي وربّما الأمني.
وقد سبقَ للإمارات دعمها المطلق للانقلاب على الشرعية في مصر وإدخال البلاد في موجة صراع داخلي بين مؤيدٍ للانقلاب ومٌناصر للرئيس المنقَلب عليه محمّد مرسي. من جهة أخرى، لعبت الإمارات دورًا هامّا في دعم الجنرال “خليفة حفتر” في ليبيا في مشروعه الذي يزعمُ من خلاله محاربة “الإرهاب” وإعادة الإستقرار للمنطقة.
شطحات الإمارات لم تقتصر على التدخّل في الشأن الداخلي لدول الربيع العربي فقط، بل حاولت فرض حصار على قطر داخل منطقة الخليج بتعاون مصري سعودي.
تونس.. معادلة صعبة
لم يكن قرار شركة طيران الإمارات بمنع نساء تونس من السفر على متن طائراتها إلى دبي بتاريخ الجمعة 22 ديسمبر 2017 إلاّ قرارًا سياسيًا بامتياز أرادت من خلاله دولة الإمارات ليَّ ذراع الدولة التونسية ومن بعدها الشعب التونسي الذي على ما يبدو رفض بشكل قطعي محاولات الإمارات العديدة في إدارة القرارات والمواقف السياسية والعلاقات الخارجية.
ربّما فشل المخطّط الإماراتي بنسخ تجربة الانقلاب المصري ومحاولة قولبتها من جديد في تونس سنة 2013 من خلال دعم اعتصام الرحيل المنادي بإسقاط الترويكا بقيادة حزب حركة النهضة الذي تحسبٌه الإمارات خطرًا على المسار التحرري لتونس ما بعد 14 جانفي.
المجدُ لشعب تونس الأبي الذي انتصر لسيادته الوطنية ورفض تحت أي سقف التدخّل الإماراتي في توجيه مساره نحو بناء تونس الجديدة التي طال بها المشوار وهي على حافّة الإنجاز.
أحسّت الخارجية الإماراتية بأنّ قرار المنع الأخير قد يؤثّر على العلاقة بالدولة التونسية التي طالبت باعتذار رسمي فجاء رد وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في تغريدة له عبر تويتر قال فيها أنّ الأمر مجرّد سوء تفاهم على حسب تقديره: “تواصلنا مع الأخوة في تونس حول معلومة أمنية فرضت إجراءات محددة وظرفية، وفِي الإمارات حيث نفخر بتجربتنا في تمكين المرأة، نقدر المرأة التونسية ونحترمها ونثمن تجربتها الرائدة، ونعتبرها صِمَام الأمان، ولنتفادى معا محاولات التأويل والمغالطة.”
وقد أثارت تغريدة الوزير الإماراتي غضب الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي معتبرين أنّ قرار المنع لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال.
المرأة التونسية رائدة بطبعها
قرار منع سفر التونسيات خلّف ردود فعل عديدة على الصعيد الوطني التونسي والعربي والعالمي، وهو بلا شكّ قد أحرج أبواق الدعاية للسياسة الإماراتية في تونس ومن سوّقَ للصورة الخارجية الإماراتية كحليف إستراتيجي لتونس في منطقة الخليج وكداعم أوّل للتجربة الديمقراطية في تونس.
قرار شركة الطيران الأخير لا يمسّ على الإطلاق من صورة المرأة التونسية الرائدة عبر التاريخ في جميع المجالات. فتونس “عليسة” والقيادة العسكرية وبناء قرطاج وتلك الحكمة والحنكة في التدبير والتسيير وتونس “الجازية الهلالية” و”فاطمة الفهرية” وهي نفسها تونس “خديجة بنت الإمام سحنون”.
المرأة التونسية هي “السيدة المنوبية” رمز الصوفية، وهي “أروى القيروانية”، هي “عزيزة عثمانة” ونهج العزّافين وهي “مجيدة بوليلة” و “شريفة المسعدي”، وغيرها من مناضلات تونس عبر التاريخ.
المرأة التونسية هي تلك الأمّ التي تُسابق الشمس في طلب رزق أبنائها، وهي العاملة التي كرّمها التاريخ بتخليد سيرتها في كلّ مراحله، وهي المعلّمةُ في المدرسة والأستاذةُ والممرضة والطبيبةُ وهي في أعلى هرم السلطة، وهي رئيسة المجلس والسياسية والقاضية، وهي نفسها ربّانُ البواخر وقائدة الطائرات التي أرادت شركة الطيران الإماراتية التعدي على سيادتها وحريتها ومكانتها. هي أسمى من أن تهتز لمثل هذا “الطيش السياسي” وأن تكترث له فهي مدرسة تعتز بها تونس اليوم وتفاخر بها بين الأمم.
بين من اعتبر أنّ قرار شركة طيران الإمارات هو قرار سياسي بامتياز ويستهدف الدولة التونسية، ومن حاول تبرير قرار المنع وإدراجه ضمن خانة الدواعي الأمنية، تبقى المرأة التونسية رائدة بعلمها وعملها حرّة لها من العزّة والكرامة والهيبة ما لها، سامية أبد الدهر حبّ من حب وكره من كره وكما قال الراحل “أولاد حمد”:
كتبتُ، كتبتُ.. فلم يبقَ حرفُ. وصفتُ..
تحية حب واحترام للمرأة التونسية ولكل امرأة عربية
https://www.taranimmalak.com/