«كاهل المرأة، متن الدابة»، هو أول إصدار لسلسلة بعنوان «تحقيقات»، يديرها الصحفي هشام حذيفة والناقدة الأدبية كنزة الصفريوي، وقد عمل كلاهما في الأسبوعية الناطقة بالفرنسية «لوجورنال ابدو»، هو، مُحققا ومسؤولا عن زاوية أسبوعية، وهي، مسؤولة عن الركن الثقافي، وذلك في أوج مجد الصحيفة البيضاوية التي كانت منبرا للأقلام النيرة بالمغرب منذ نهاية التسعينات إلى حدود سنة 2010.
صحافة التقصي
يدخل هذا المشروع في إطار ما يسمى بصحافة التقصي، كما يوضح الكاتب في مقدمة كتابه المشار إليه أعلاه، بحيث يتم تخصيص كل إصدار لموضوع معين، يُعالَج بناءً على نتائج سلسلة من التحقيقات في المغرب العميق.
في الكتاب الأول، اتخذ هشام حذيفة معاناة نساء المغرب المنسيات موضوعا لبحثه، وهو موضوع كان قد لامسه، نوعَ ملامسة، خلال ممارسته الصحفية الطويلة، ويضم بين دفتيه ثمانية فصول.
عاملات مبلاضن وأخواتهن المنسيات
في الفصل الأول، يقارب الكاتب وضعية العاملات السريات بمنطقة مبلاضن، هذه القرية التي تقع على بعد كلومترات من ميدلت، حيث يعيش السكان على فضلات المعادن التي تركها الفرنسيون الذين استنزفوا خيرات المنطقة من خلال شركة تسمى لابينيارويا، وهي شركة رأت النور عام 1881 بإيعاز من المهندس الفرنسي فردريك لودو.
يرجع أصل هذه التسمية الإسبانية إلى اسم المَوقع الأول الذي حطت الشركة الرحال به وهو بينيارويا- بويبلو نويبو: «على بعد 15 كيلومترا من مدينة ميدلت، تقع القرية الشبح مبلاضن، التي تعيش اليوم بفضل بقايا المعادن التي تركها الفرنسيون. في مبلاضن، يدور كل شيء حول الغار، هذه البئر التي تؤدي إلى المنجم المهجور. »
يذكر أحد المستجوَبين المنحدرين من مبلاضن، وهو في الخمسين من العمر، أن والديه اشتغلا بالشركة المذكورة، ثم يضيف أن القرية كانت في الستينات تتوفر على قاعة سينما، سرك، مسجد وسوق أسبوعي، قبل أن يصبح كل ذلك أثرا بعد عين مع رحيل «النصارى».
على وجه العموم، يسعى الصحفي هشام حذيفة، من خلال هذه التحقيقات، إلى إيصال صوت نساء المغرب المنسيات إلى الرأي العام الوطني، النساء اللواتي ناضلن ويناضلن في مناطق مختلفة: في القرى، المدن الصغيرة ، ضواحي المدن الكبرى وحتى في صالونات الحلاقة بدبي! وهذا على وجه التحديد هو الدور المنوط بالصحافة الجادة، التي يُفترض أنها صوت مَن لا صوتَ له.
من أجل تسليط مزيد من الضوء على الكتاب، قد طرحنا على الباحث ثلاثة أسئلة مركزة وكانت أجوبته كالتالي:
– «كاهل المرأة، متن الدابة»، هو أول إصدارات سلسلة «تحقيقات»، التي تشرف عليها رفقةَ كنزة الصفريوي. أولا، كيف جاءتكم فكرة خلق مشروع من هذا النوع، علما أن «الاستثمار» في الحقل الثقافي، في بلداننا، يكاد يكون مغامرة غير محسوبة؟
عندما أنشأنا، كنزة الصفريوي وأنا، دارا للنشر، وضعنا على رأس أولوياتنا إتمام العمل الصحفي، الذي كنا نقوم به خلال فترة تواجد الصحيفة الأسبوعية (النسخة الفرنسية). من هنا جاءت فكرة خلق سلسلة «تحقيقات»، التي تطمح إلى الانكباب على مواضيع هامة، تهم المواطن بشكل مباشر، وذلك من خلال إنجاز تحقيقات ميدانية واسعة.
بالنسبة للجانب المالي، فإننا نمول الجزء الأكبر من إصداراتنا، من مالنا الخاص أو من عملنا كصحفيين مستقلين. طبعا، هذا النمط من التمويل هو من الهشاشة بمكان، لكنه يمنحنا مساحة من الاستقلالية لا نجدها في غيره.
– وأنتم تقومون بتحقيقات حول الوضعية الهشة للنساء في مناطق معينة من المغرب، قد تكون نائية أحيانا، تواجهكم إكراهات. هل تحصلون خلال عملكم على مساعدة من السلطات المحلية، المنظمات غير الحكومية، المناضلين الجمعويين؟
في مدخل «كاهل المرأة، متن الدابة»، أكدت على دور المجتمع المدني في نشأة هذا الكتاب. الروايات التي أوردتها وطورتها ما كانت لتكون لولا مساهمة مناضلات ومناضلي المجتمع المدني. أذكر على سبيل المثال مساهمة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ودور الجمعيات النسائية التالية: مؤسسة إيطو، الجمعية الديموقراطية لنساء المغرب، مرصد عيون نسائية.
– في مدخل الكتاب، أكدت على أهمية إصلاح القوانين التي تمس، بهذه الدرجة أو تلك، الأحوال المعيشية لهؤلاء النساء المنسيات. حسب تجربتك الصحافية وما تلاحظه في الميدان، إلى أي حد يمكن أن تساهم هذه القوانين في تغيير وضعيتهن؟ لنأخذ مثال المدونة، ما هو في رأيك أثرها على وضعية النساء؟
المدونة هي كقانون الجنسية، الذي يسمح للنساء المغربيات المتزوجات من أجانب بإعطاء الجنسية لأطفالهن، مفيدة لنساء هذا البلد دون أدنى شك. المشكل، هو أن هذه القوانين قد تم تقديمها في البلدان الأوروبية أكثر منه في المغرب. طيلة سنوات، النساء المغربيات القاطنات في الوسط القروي أو في المدن الصغيرة، يجهلن وجود هذه القوانين.
اليوم، المدونة تبدو لي متجاوزة وتحتاج إلى تعديل من أجل رفع الظلم الذي تعاني منه النساء في هذا البلد. يجب أيضا إصلاح القانون الجنائي الذي يتضمن نصوصا لا تتماشى مع حقوق النساء. لكن تغيير القوانين يبقى غير كاف لتغيير الذهنيات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المدرسة لا تشجع بصفة صريحة قيم المساواة بين الرجال والنساء.