نوران.. رَحَلَتْ ولم يبقَ لي سوى مشاعر متحطمة يكسوها الحنين

عزيزتي ما بعد نوران ..

مازلت أذكر لقاءنا الأول، كانت ليلة باردة لم يكف هطول المطر بها لحظة منذ بزوغ الشمس فإنها كانت إحدى ليالي ديسمبر، جلستُ على المقعد أسفل البرجولا أمام البحر أحتمي من الأمطار إلى أن أتيتِ وجلستِ بالجوار.

لم أعيرك انتباهًا فبادلتيني تجاهلاً، كان كل منا في فلكه يفكر ويعتقد ويقرر إلى أن طال الأمر، مرتَ ساعة تبعها سويعات لم يبد أي منا أي حراك كأننا تمثلين تم نحتهم نسُر عين الناظرين.

أتذكر حديثك الأول لي حينما كسرتي حاجز الصمت بقولك دون أن تعيرني اهتمامًا:  

“الجميع يراني انطوائية، لا أحد قادر على معاشرتي لكني لستُ كذلك أنا أخشى الحديث فقط”.

ابتسمت لكِ بنصف شفة حينها واكتفيتُ بالصمت، حقًا لم أكن أتجاهلك حينها لكن كنتُ أفكر بمَن عشقها قلبي وألفتها روحي، فأردفت مكملة بنبرة تقشعر لها الأبدان “حتى أنت تراني كذلك”.

انتبهتُ لكِ حينها متأسفًا على صمتي فلم تبالِ، قد بدأت أحاديثنا من هنا، كنتُ مثلك أخشى الحديث مع الأخرين فيظنوني ثرثار أبله لا يكف فألوذ بالفرار إلى صمتي فكان هو ملاذي الأول والأخير، لكن أنتِ لم أخشَ يومًا الحديث معك.

قد اعتدنا الجلوس بذلك المكان في مساء كل يوم دون ترتيب أو اتفاق مسبق، مَن يصدق هذا!؟

أقسم لكِ عزيزتي (__) يا الله رغم كل تلك الأحاديث بيننا في كل مساء لم تذكرِ لي اسمك، كذلك أنا لم أذكر اسمي حتى ليس هناك وسيلة اتصال بيننا رغم لقاءاتنا تلك.

كانت وسيلة اتصالنا هي لحظات ما قبل غروب الشمس بأسفل تلك البرجولا، كُنا نأتي في ذاك التوقيت نجلس بذاك المقعد نتابع لحظات غروب سويًا مع أحاديثنا التي لم تنتهِ يومًا..

فكان سؤالنا المعتاد بعد كل غروب متى بهت الضوء وبردت الأشياء؟ لا يمكننا أن نمسك اللحظة بعينها؟! أليس بوسعنا أن نقول هنا كان نهار، وهنا جاء الليل؟!

أسف عزيزتي لعدم مجيئي الأيام السابقة..

حقًا أسف – لم أعنِ ذلك – اضطررت إلى السفر للعمل لكن لم أطيق البعد أكثر من ذلك، مرّ أحدَ عشرَ يومًا دون أن أراكِ فعدتِ لكِ متلهفًا لكي أراك..

مرّ شهر على عودتي، مرّ ثلاثون غروبًا وأنا جالس في انتظار قدومك لكنك لم تأتِ.

قد ذهبتِ مع الراحلين ولم يبقَ لي سوى مشاعر متحطمة يكسوها الحنين.

يمخر الخوف عباب قلبي في كل ليلة خوفًا بأن أكون تسببت لك بألم رحيلي..

قد يكون وسوس لكِ الشيطان بأنني سئمت أحاديثك، فتركتك كما فعل الجميع معك لكني لم أفعل..

أنا أشتاق لسماع أحاديثك، أشتاق لرؤيتك، أشتاق لكِ عزيزتي.

“عزيزتي ما بعد نوران .. أنا أحبك”

قد كتبتُ لكِ رسالتي تلك سأتركها على المقعد لعلك تأتين تجلسي هنا ريثما أعود حيثما أتيت، لكني مازلت على الوصال، سأجلس في كل غروب أنتظر قدومك، أتمنى أن تقرئي كلماتي تلك وتتقبلي أسفي.

طوى ذلك الفتى رسالته تلك ووضعها بجواره، وأشعل لفافة تبغ يُفكر بعزيزته التي لم يعلم اسمها، راح يتأمل الرماد المعلق في شكل قمع طويل هاوِ في ظلام الاحتمالات والأفكار.

لم يجذبه من غمرة أفكاره إلا ذلك الصوت الرخيم الذي أتاه من الخلف:

– فارس!؟

التفت الفتى ليرى ذلك الملاك الأنثوي الواقف خلفه، فأجاب في دهشة: نوران !!..

جميع المقالات المنشورة (خواطر أدبية) تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version