ما ذَنبها، وقد تَسَلَّلَت بُذور الشَيب إلى رأسها وهي لا تزال تمتَهِن الوقوف على الشُّرفَة بملابِسها الشَّفّافة، في محاولةٍ لإقناع نفسها بنَظرات العابرين لها من الذكور أنّ خصلات الشيب تلك ما هي إلا خَللاً جينياً أصابها من كثرة عُلَب التَّسمين التي استهلَكَتها…
كانت لها هواية أخرى، تجلس لنصف ساعة أمام المرآة، تُحَدثُ فيها نفسها حديثاً غريباً، تَتَّهم فيه المِرآة بالكَذِب، تلك التجاعيد التي بدأت تظهر تخيفها، وعيناها في الصباح لم تعد بذلك اللَّمَعان مثلما كانتا في بداية العشرينات من عمرها، صار شكلها يخيفُ صباحا، حتى شِفاهها الورديتين لم تعودا تعكسان ابتسامتها التي لم تُفِدها يوماً في شيء، عَدَا عدد أرقام الهواتف التي جمعتها بتَلَهّف من كل ذَكَرٍ صادَفَته يوماً، والتي ظلّت تؤنسها من خَوف دونَ أن تُشبِعَ غريزتها مِن جوع، وبازدياد عدد الذكور تزداد قِطع السُّكر التي كانت تذيبها في كؤوس القهوى وهي تحتسيها معهم هنا وهناك… لا أظن أنهم يَمُرون اليوم تحت شرفتها…
الوحدة، الماضي، السنوات التي تَمُر والذكريات… كلها دوافع جعلتها تتفنن في اقتناء المزيد من الفساتين الشفافة، وبتجربتها الطويلة كانت تعلم ألا رجلاً أحبها يوماً لمستواها الدراسي الذي كلف والدها الكثير، لم يعشقها يوماً أحد لجمالها، فهي تعلم أن الساعات التي تكن فيها جميلة هي تلك الدقائق التي يَلبثُ فيها المسحوق ثابتاً على وجهها… لم يعشقها فلان وفلان وفلان بقدر ما استهواهم اكتشاف هضاب جسدٍ تبدو مثيرة لشفقة حيوان مفترس.
كانت لها هواية أخرى، تجلس لنصف ساعة أمام المرآة، تُحَدثُ فيها نفسها حديثاً غريباً، تَتَّهم فيه المِرآة بالكَذِب، تلك التجاعيد التي بدأت تظهر تخيفها، وعيناها في الصباح لم تعد بذلك اللَّمَعان مثلما كانتا في بداية العشرينات من عمرها.
بقدر ما كانت تتألم، بقدر ما كانت ترفع من صوت مذياعها، خصوصاً إذا صادَفَت أغنية لكاظم الساهر، ترقص عليها بخصرها وشعرها ووجدانها، وقلبها، لأنها تعلم لو أنها آمَنَت بتلك الأغنية التي أرسلها لها فلانٌ -كان صادقاً- ذات يوم، خصوصاً أن المُرسِل أحبها بصدق، حتى أنه لم يودِع أحداً من العالمين عندما انتحر… وودّعها هي، ما كانت لتستوقف من هبَّ ودَب بأي شيء صادفته عندها، ما كانت لتفقد الثقة في نفسها وتضعها في قماش شفاف، ما كانت لتتعلم لغة الزجاج فتتحدث من مرآتها، وما كانت لتكون شبه أنثى.
فُلان الصادِق مات، عدد جرعات المهدئات تزيد، ملابسها الشفافة تضيق يوما بعد يوم وجسدها لم يعد له توازن، حتى قصتها انفَضَحَت بعد أن وجدوها جثةً بين رسالة ذلك -الفُلان- وأغنية كاظم الساهر التي بعثها لها “ها حبيبي”.
كاتب التدوينة: أناس الرازي