مدوناتمدونات الرأي

وسائل التواصل الاجتماعي توثيق سعادة أم عبادة؟!

وسائل التواصل الاجتماعي توثيق سعادة أم عبادة؟!

من المُسلّم به أن التكنولوجيا باتت تحتل جزءاً كبيراً من حياتنا..

قلتُ جزءاً كبيراً فقط؟

بل أصبحت هي التّي تشكل حياتنا ويومياتنا على حدّ سواء؛ وما ينشر بها أصبح حديثَ الساعة والجلسات العائلية وبين الأصدقاء وفي الشارع بل ومادّة دسمة للإعلام والصّحافة.

فنحن نستخدم هواتفنا المحمُولة للتّواصل مع كل شيء وأي شيء وفي أي وقت، ودُون أن نشعر بحرج الإزعاج أو التّطفل متى ما يحلو لنا ذلك ولا يهمّنا تقدم ساعات اليوم أو تأخّرها..

ومن هُنا بدأت فكرة هذهِ الحياة المُوازية التّي ترتقي في بعضِ الأحيان لتكُون حياة بديلة، فنحنُ نسارع لتوثيق أي حدث عابرٍ مهما كان على كافّة وسائل التواصل الاجتماعي والمُلاحظ أنّ معظم الموثقّين يشعرُون بكم من السعادة أثناء تداول هذه التفاصيل الشّخصية والخاصّة..

أفهمُ أنّنا كبشر لا نشعر بكم هذه السّعادة إلا إذا شاركناها مع من حولنا، أهل، أصدقاء، أقارب..إلخ

لكن بات هذا المفهوم العام ماض لا يُقاس إلا بقياس ما عفى عنه الزّمن في زمنِ التّكنُولوجيا الحديث وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي فأصبح نشرُ وتوثيق هذه اللّحظات ضرورة يقتضِيها التّفاعل بين رُوّاده..

فهذهِ تنشر صور أبنائها، وتلك صور تخرّجها وذاك صورهُ في أحد البُلدان وآخر مع سيّارته الجديدة..

وتبدأ التّهنئات والمُباركات عبره وتنتهي عبره أيضاً في مُعظم الأحيان.

أليست العبادة تتطّلب حضور القلب وخشوع الجوارح؟

هل استباحت وسائل التواصل الاجتماعي الخصوصيّة حتّى بين العبدِ وربّه؟

هل ستزدادُ هذهِ التوثيقات تباعاً وتتعاظم مع الأيام؟

وهل هناك سقف للخصوصية المسموح بنشرها بالنسبة لهم؟

هذا ويكون عددُ الصّور والفِيديوهات التّي نرفعُها كلّ يوم وتحمل من الخصوصيات ما تحمل أعظم قدرا من تلك التي نشعُرها.

ولو رَصد راصد قدر السّعادة المُوثقة على وسائل التواصل الاجتماعي لأقر دُون مُواربة أن روّاده أسعد سُكان الأرض.

ومع تفاحلِ الوضع السّابق انتشر توثيق كلّ شيء..

المُهم وما هو أدنى منه وما هو أدنى بكثير ورَاج مؤخراً توثيق العبادات والمشاعر الدينية أيضاً بين روّاده مما يدعُ مجالاً للشّك أنّ عدم توثيق الشخص للقِيام بالعبادات ضياعها أو انتقاصها من الخَالق..

هذا يضع صوراً لمسبحته الإلكترونية يظهر على شاشتها رقمٌ ضخم، وهذا يصوّر تصدقه على أحد الفُقراء ويلتقط معه سيلفي الإثبات.

وذاك يصوّر نفسه مُلبيا بملابس الإحرام وآخر وهُو يرمي الجَمرات وأحدُهم داعياً لمتابعيه من أمام الكعبة، فيخطُر ببالي عدة أسئلة لم ألقَ لها جوابا:

ماذا أرادوا بمثل هذهِ الصّور قولاً؟

هل هِي صرعة جديدة استوطنت عُقول الكبار قبل الصغار والدعاة والمشايخ قبلَ العامّة وستموت يوماً دُون أن تُبعث مرّة أخرى كما مات غيرها؟

أم هُو تزكية للنّفس وإثبات وبالدليل القطعي على حُسن الخُلق والعِبادة؟ 

لكن أليست العبادة تتطّلب حضور القلب وخشوع الجوارح؟

هل استباحت وسائل التواصل الاجتماعي الخصوصيّة حتّى بين العبدِ وربّه؟

هل ستزدادُ هذهِ التوثيقات تباعاً وتتعاظم مع الأيام؟

وهل هناك سقف للخصوصية المسموح بنشرها بالنسبة لهم؟

وفي حين تبدو الإجابة ضبابية فأنا أخشى في وقتٍ من الأوقات أن تعُود وسائل التواصل الاجتماعي غريبة… تماماً كما بدأت غريبة!!

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

أظهر المزيد

منال الحاج

مهندسة ومدونة ليبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى