وطن مجنون، فأين نحن، وإلى أين ذاهبون؟!!

كم هو رائع أن تبسق بمرارة العلقم وجه الطاغوت، والأروع من ذلك أن تصدح بنبل ملء حنجرتك المبحوحة نكاية في أي وجه من وجوه الظلم، وتشعل ظلام الوطن الغريب؛ بكل عنفوان الرقي والحضارة، وأنت مطمئن البال؛ أنك في وطن عاقل يثمن ويحترم الاحتجاجات التي لا تهدد الأمن ولا تضع الاستقرار على يد عفريت..

هذه الروعة خرجت من نقيضها، من رحم شاحنة أزبال، طحنت شابا يمثل شريحة من اللذين يقاتلون بشرف في ميادين الحياة، طحنت كل الذين لا حصة لهم من كعكة الوطن المنهك والمنتهك، وكان دقيقهم عجين تظاهر العشرات في أغلب مدن الوطن، قلب ونضج على محماسة التجارب، وأعطى وجوها جديدة في المشهد الرافض والمنتفض ضد “الحكرة” التي لم يكن “محسن فكري” سوى نقطة أفاضت كأسها المرة، فقد سبقته حالات أشد منها ألما على الجسد الوطني، ساهم فيها الإنسان أن يكون لقمة سهلة الهضم؛ حين اختار أن يكون “خبز ربي فطبكو”..
 
ساذج من يظن أن قضية “الحكرة” ستكون نبتة ربيع آخر في المغرب، سقاها محسن بدمه بإحسان، لكن العاقل هو من عليه أن يجعل منها آخر ورقة توت تسقط عن جسم “السلطة القديم” وتوقفه أمام مرايا اليوم، ليرى بوضوح جسده الهرم، الذي إنحنى كذؤابة شمعة تلفظ آخر قبس نورها، ويخرج من برجه الزيزفوني متصالحا مع المواطنين، قبل أن تخرجه إكراهات العمر مكرها وخائبا..
 
فتبادل الإحتقار بينه وبين المواطن، سيولد شرارة بركان لا تحمد عقباه، فمن إحتلوا مراكز القرار العاجية، يرون الناس بحقارة وتصغير، ويرون فيه صورة قمع وجب حرقها..

الوطن للجميع، ويتسع لكل المشارب والهويات، وكلها رغم إختلافها تقف في برزخ الواقعية، وتناغي العدالة والمساواة، لكن بمنطق التساوي، لا منطق القوي والضعيف، فالقوة التي يحدد بها القوي تلك المفاهيم، ليست هي الضعف التي يفهم بها المواطن، فمجال السلطة المتعجرفة ساخن حد تقافز تلك المفاهيم الزئبقية فيه، إلى درجة صعوبة تحديدها، المواطن البسيط كالسجين يحلم بشمس الكرامة نهارا، وقمر العدالة ليلا، لا يريد عدالة عمر، ولا تعجرف موسوليني، بل يريد من يحفظ له إنسانيته في إنسانيتها..

من يتحكمون في تلابيب الوطن، منفردون بمقاربة أقل ما يقال عنها؛ أنها غبية حد الإغتمام.

لا لهم مثيل في جغرافية دول الجوار، ولا في تاريخ من مروا على بساط السلطة، مجموعة شرهة من المجرمين، لا تتبنى أي مفهوم للدولة الديمقراطية، ولا تبنى أسس علمية ولا عملية لترسيخ المواطنة، بل تضارب بمصالح الوطن من أجل المصالح الشخصية، بلا أي أخلاق، بطريقة لم يسبقهم لها من قبل إنس ولا جان، أوقعها الجهل والجشع، من حيث لا تدري في كل الأخطاء التي جعلت البلاد والعباد في فوهة بندقية يكاد رصاصها ينطلق إلى كومة بنزين ينتظر تلك الطلقة ليشتعل في الأخضر واليابس، وتقرأ ألسنته فاتحة الوداع على مغرب اليوم، فأمن البلاد لا يضمن بوقع الأحذية الخشنة، وإلا ما كانت ثورة يناير لتقسم ظهر مبارك، بل تأتي ببناء دولة لا يشعر بها المرء أنه غير مرغوب فيه ظل بيروقراطية مترهلة، فكرامة الإنسان، وإستقرار الأوطان في نأي عن “الفتنة”؛ دائرة لا متناهية، يصعب فصم عرى ترابط أقواسها الوثقى..

من يريد تحويل حياة هذا الشعب البريء إلى جحيم “دانتي”، من يريد له أن يكون “أورفيوس” ويسقط في غياهب المجهول السقطة الأخيرة، فأنت تسمع ملايين الدراهم تصب في مشاريع خيالية، وأنت عاصب البطن، تبحث عن ما يسد رمقك، بطبيعة الحال ستفقد عقلك وتصاب بنوبة صرع، وما سيكون من ردة فعلك خارج عن ملكوت عقلك، لأنك أصلا بلا سعي منك ولدت في وطن مجنون، يقوده مجانين لا يفكرون إلا في الثروة والنشوة، أحاطوا أنفسهم بكل من لديهم استعدادا لخدمة آلهة المعبد، ولو على حساب الوطن ومصالح المواطن، عبر محاباة الأقارب وعبر تمتين نسائهم وحلائلهم وكل من يدور في فلكهم المقيت، وما صرف من أموال طائلة في الصحراء لم يحقق ولو أقل نسبة من ما رسم له، فأن تبذل جهود وأموال الدولة في سبيل تحقيق ثورة في التنمية البشرية والنهوض بصحراء قاحلة نحو حضارة محققة، ولا يتم تحقيق ذلك لأن وحشا بشريا يقف عتبة عالية دون البشر المستهدف؛ يكرس مفهوم ثورة ضد تلك الطواطم البشرية قد تقود الكل إلى ما لا يمكن تخليه، فبأي صفة يمكن أن يفتح المغرب بابا لإفريقيا عبر الصحراء، والصحراء قنطرة نخر سوس الفساد أعمدتها، وتغلغل حتى العظم، ونسأل بتغابي متناهي أين الثروة، والثروة أمامنا في بطن حوت ضخم يسبح في بحر السلطة ويستجم في شواطئ السياسية، بسط أياديه في كل تفاصيله، بعد أن أحاط نفسه بمن يضمن ولائهم له وحده، تحت شعار “أنا ومن بعدي الطوفان”، وذلك متنافي مع أسس المواطنة ويبرهن أن المسؤول يفكر بدماغ غطاه المخاط..

سيقول قائلهم؛ “المسؤول ومن يستفيد منه”.

إن ما نقوله عنه لا يليق بمكانتهم، ويسيء لسمعة الدولة، في محاولة لإحراج أقلامنا التي تشرح الواقع وتعريه أمام نفسه أولا وأمام الناس ثانيا، لو كنا نرضى بكم ونرضى أن نكون تحت رحمتكم المنعدمة، لكنا نحترمكم وندافع عن سيادتكم ومقامكم المحترم حتى لو كنا نعارضكم في الرأي، لكن المصلحة العامة لا معارضة فيها..

نحن لا نريد وطنا يطحننا، ولا يحرقنا، ولا وطنا نشعر فيه أنه ليس كزورق مهترء خضم بحر لجي ينتظر أول موجة تعصف به، بل نريد وطنا يداوي جراح الروح التي تسكن جسد المواطن البسيط، تكون أمواله المهدورة بلسم التآخي ودواء العلل، لا نريد عدالة تبحث عن العدالة، بل عدالة لا تميل شوكة ميزانها حيث وزن مسؤول مقهور بشكل أو بآخر؛ يصرف أزماته وكبته في الوطن، ويلعب بالحجرة والبيضة..

بعد هذا وذاك لا زلنا نناغي وطنا عاقلا..

كاتب التدوينة: سعيد مرابط

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version