لقد أساء لكم، وليس للنبي، أساء لكم لأنه حسب قانون القبيلة، أصم لا صوت له.. صرخ صرخة الملكوم، فخانه صوته، وتكالبتم عليه، تكالب البرغوث على الدم.. فكانت مشيئة الله أقوى من نوازعكم، وجذور الحياة أقوى من سيوفكم وخناجركم..
لقد خرج ولد امخيطير، حرا طليقا، لأن الله الذي أردتم أن تغيبوه قسرا، وراء حجب واهية، تدعي التقى، لم يكتب بعد نهاية أجله.. خرج خروج الجمل من سم خياطكم، عنوة، لأن شيئا ما، كان يجب أن يزعزع يقينيات علماء السلاطين، ومتفقهة البدو، الذين ذهبت بطنتهم بفطنتهم، ونسوا في نشوة التهجين، أنه قادر على إخراج الحي، من الميت..
وفعلا خرج ولد امخيطير حيا، من بلاد الموت البطيء، وأرض البوار المتشققة، خرج خروج الوردة من أكمتها، من مفاصل الصخر الأصم، وحرائق الحديد والنحاس، الذي ظلت خرافات فقهاء الدسم، تشعلها في مراجل النفوس حقدا، وتدق حديدها منصهرا، لتصنع منه سيوفا تقاتل باسم الله، وهي لا تدري أنها حد لسكين في يد، تحترف البيع والشراء..
كانت غوغاء موريتانيا، صوت الفقهاء الخشن الجهوري، ولم تكن صوت الإنسان الموريتاني الطيب، ذي الحاشية الرقيقة، فقد كان مسحورا بطلاسم عمائم الكهنوت، ودجل حراس النوايا..
لكنهم من حيث لا يدرون، كان صدى صياحهم، يحرف فحواه من الموت، ويسحب الحياة من أعين المستحيل، من أحذية العسكر الخشنة، من نواميس القبيلة الذليلة، ومن عطن الدم، وينشدها ترنيمة في سماء الدنيا، نشيد حياة، شاب أعماه بؤس الحال، وقساوة الواقع، في بلد المليون شاعر بلا مشاعر، ومليون أرعن مستعد أن يفرغ كبته المقيت، في أي شيء آخر، حتى ولو كان ذلك باسم الشيطان..
أتعجب من هؤلاء الذين يهدرون دم الخارج عن السلطان، باسم الله، ولا يتجزأ رجل منهم بانثنين على هدر دم السلطان نفسه، الذي أهدر دم حق الناس، وأساله في كل جنبات البلاد، باسم الله أيضا..