وما هي إلا أضغاثُ أحزان

وما الحياةُ إلا حلمٌ نظلُ نسعىٰ وراءه، حتى نصل إليه أو نَضِل طريقه، وفِي كلتا الحالتين يولد حلُمٌ أخر يجعلنا في نضال مستمر حتىٰ يسدل الستار وتودعنا الأحلام بأعينٍ دامعة، وتحملنا الأكتاف نحو مرقدنا الأبديّ

عملٌ مكتوبة أحداثه منذ أزل، زمن انتهائه غير معلوم، محددة الأدوار فيه وموكلة لأصحابها، كلٌ يسير كيفما قُدِّرَ له، فيلمٌ مليء بالصراعات التي تخدم الحبكة الدرامية، مدٌ وجذر يعزز الإرادة ويربط الأحداث ببعضها، ركودٌ وثورة وتضارب في المشاعر، وجميعها تصُبُ في مصلحة عنصر الجذب والتحفيز على الإستمرار في المشاهدة حتى النهاية المجهولة المحتومة.!

هذه هي الحياة، نبدأها بصرخة بريئة يُطلقها المرءُ منّا في غرفة المشفىٰ إخطاراً منه بِـ سلامةِ الوصول، تكن صرخته الأولىٰ وبالطبع ليست الأخيرة، ومع مرور الأيام ومُضِيّ السنوات، تتوالىٰ الصرخات، مع إختلاف أسبابها والمغزىٰ منها.

تلهثُ أعمارُنا خلف أحلامنا التي ما إن يبدأ الفيلم تتهافتُ بداخلنا دون إستراحة، تكبُرُ وتتفاقم ولا تأبَه للمثل الذي يقول “مد رجليك على قد لحافك”، فهي حرة متمردة تولد من الخيال، وما الخيال إلا بحرٌ بلا شطئان، تسبحُ فيه بلا قيود، لا تَكِنُ ولا تهدأ حتىٰ يصطادُها صاحبُها بسنارة إرادته وعزمه على تحقيقها، عند ذلك نجدها بخبثٍ ودهاءٍ منها، تلقي ببيضِها أثناء اصطيادها، لتضمن أنها لن تكون آخر حلم في مخيلتنا، لنظل بذلك في صراع الوصول إلى أحلامنا والإمساك بها طوال حياتنا، مع إختلافها طبعاً لتتوافق مع الفئة العمرية لكلٍ منّا.

سَقَطات وعثَرَات، خيبات ونكبات، قريبة منا كما النَفَس الذي يخرج زفيراً، يتسلل اليأس مع الشهيق الذي نأخذه إلى داخلنا، فَـ نحزن ونُسِلِم، ونركن إلى زاوية ننعزلُ فيها، حتى بحر الخيال لا تطأه قواربنا، نلبثُ هكذا بضع ساعات أو قد تكون أيام، ولكن؛ ولأننا من ضلع أدم الذي أقام حياة على صحراء قاحلة جرداء، سرعان ما نتشبث بِـ فتاتِ أي أمل متطاير تسرب إلينا من بحر الخيال الذي يأوي جُلَّ الأحلام، فنجدنا نقول لأنفسنا: وما هي إلا أضغاثُ أحزانٍ حتماً ستنجلي.!

هي رحلة فرضت علينا، ولكن مخيرون فيها، لقد تعجبت من هذا التناقض الذي بنيَّت عليه حياة المرء منا، كيف يكون مُخير وفِي ذات الوقت قدره المكتوب منذ أزل نافذ شاء أم أبَىٰ واختار عكس ذلك.!، فذهبت إلى أصل الموضوع وقرأت أن الإنسان مسير إذ أن أقداره مكتوبة وهو في رحم أمه فقال تعالى: “إنَّا كلُ شَيْءٍ خلقناهُ بقدر”..، ومخير إذ أنه خُلق له عقل يفكر به ويختار أي طريق يسلك وأيُ الأعمال يفعل، مكفولٌ له حق المشيئة حسب قوله تعالى: “فَمَن شاء ذَكَرَه”..، فكلٌ منا يرسمُ طريقه وفق أي رغبة بداخله قرر إتباعها دون غيرها، والله يقيّمُ أعمالنا فور وصولنا وإنتهاء الرحلة.

وما الحياةُ إلا حلمٌ نظلُ نسعىٰ وراءه، حتى نصل اليه أو نَضِل طريقه، وفِي كلتا الحالتين يولد حلُمٌ أخر يجعلنا في نضال مستمر حتىٰ يسدل الستار وتودعنا الأحلام بأعينٍ دامعة، وتحملنا الأكتاف نحو مرقدنا الأبديّ.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version