خلقنا الله فوق المعمورة لأسباب ومغزى معين، فتح أمامنا الطرق نتعلم وننهل من علوم الدنيا ما نريد، وكوننا قُدِّرَ لنا أن نكون إعلاميين، فإن لذلك حكمة مؤكدة، وهي التأثير في مجتمعاتنا والتأثر بما يدور فيها من أحداث، لنكون لسانَ الحقِ وسيفهِ المسلول، محراباً للعاصِ ودليلاً للفكرِ الضال، صوت الضعيف وقلم العاجز، نَكُنْ أداة وصلٍ بين الشعوبِ والحكومات، نرصد ونحلل، نطالب ونوثق، لا ننحاز أبداً ولا ترهبنا قيود فنختارُ الحِياد، يجب أن يكون هذا منهاجُنا ونبراسُ عملِنا الذي أوجدتنا القدرة الإلهية لأجله.
أعاصيرٌ ورياح عاتية تصيب أوطاننا العربية من حولنا، ولكم فيما يحصل في الغوطة الشرقية خير دليل، أرواحٌ تُزهق بأبشع الطرق، مدينة بأكملها تُباد، صرخاتٌ يغطيها دوّي الصواريخ السامة، سوريا تستغيث “وآعَرَبَـــاه”، أين العرب من ذلك!؟ إنهم في سباتٍ وتِيه، أصابهم صمّم، كلٌ يغني على ليلاه، والمهتم منهم قليلُ حيلة، مكسورُ الجناح.
كم هو صعب أن أعترف بذلك ولكن؛ الحقيقة المُرة هي أن منابرنا العربية مُباعة، والثمن مدفوع مسبقاً، إعلامنا خانع ذليل يترك القضايا الأم ويسترسل في بناتِها كما هو مرسوم له، ولا يجرؤ الخروج عن الخط، شيوخنا ورجال الدين الأفاضل يخرجون يوم الجمعة ويتحدثون عن مكارم الأخلاق وبُغض الغيبة والنميمة، وكم أن الولاء للحكام أمر مقدّس، أتساءل هل نسيوا أنه من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، أم تناسوا ذلك عن قصد، هيهاتَ هيهاتَ فقد مات عمر.
باتت أقلامُنا صفراء تبحث عن السَبْق ونسبة القرّاء، ومحطاتنا تتسابق على لقب أعلى نسبة مشاهدة، وبين هذا وذاك أُهدرت مبادىء الإعلام وضاعت قيمته وهيّبَته، قيمته كوسيلة مجتمعية لها الدور الأكبر في تشكيل الاّراء والاتجاهات، وتنوير العقول، وهيّبته كسلطة من سلطات المجتمع لها كل الحق في اختيار المضامين الهامة الموجودة على الساحة وتناولها، وتسليط الضوء عليها، ليُجْبَر المجتمع الدولي على التدخل ووضع الحلول.
تتسابق مجتمعاتنا العربية لتواكب العصر، فتراها لا تتوانى عن إحضار كل ما هو جديد في أي منحى من مناحِ الحياة، ومتابعة أحدث صيحات الموضة بِنَهَم، ولكن التطور والرقي لا يكون سوى بإطلاق الحريات، وإتاحة الفرص أمام الاّراء المختلفة لتُطرح على الساحة، واحتواء كافة التوجهات الفكرية تحت سماء الوطن الواحد، ولكننا في مجتمعاتنا العربية نأخذ من التقدم ما يتماشى مع رغباتنا، ونحارب ما يمكن أن يمس سيادتنا الذاتية.