وَنحنُ أَقرَبُ إِليهِ مِنْ حبْلِ الوَرِيدِ

في منتصف الطريق وقفت الفتاة مُرهقة القدمين والقلبِ قبلهما، نظرت بجانبها وجدت مسجد تعلمه وكان يعلمها دخلته وألقى قلبها عليه السلام جلست وتسألت؛ كلما أتيت لهنا كانت تجد ضالتها فما هي ضالتها هذه المرة؟

كان المسجد يجدها حتى لو لم تجده، كلما تعثرت وجاءت لتقف لم يكن لديها عصا كعصا موسى لكن كانت تجد المسجد كعصاها، أغلقت عينيها على ما فيهما ويا ليت قلبها كذلك، ثم سمعت ترتيل إحداهن تعرفه ليس بغريبٍ وبصوتٍ منخفض ممزوج بدموعٍ تقول “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ”..

فتحتهما لتجد في ركنٍ سيدة تعلمها، ربما رأتها من قبل في مكانٍ ما لكنها لم تجد سبب قوي يدفعها لتخرجها مما هي فيه، لكن يبدو أن السيدة وجدت كل الأسباب لذلك أتت بمصحفها وجلست بجانبها، ثم كررت الآية بذات الترتيل، ونظرت إلى عينيها وسألتها “كيف هو الخارج؟ أيسمعون أنين قلبكِ؟ ماذا عن عينيكِ أيبصرون؟ وهذا الكتاب لما تستدلين بغيره في الطريق؟”..

لم تجب الفتاة بحرفٍ كانت في اندهاش يجعلها تصمت للأبد، فاسترسلت السيدة “أتعلمين أنا أيضًا أحببت الخارج وأحبني وكلما تعثرت وجدني هذا الكتاب ووجدني هذا البيت، أذهب ويجدني ولكن في يوم حين ذهبت أردت العودة لم أجده بكيت ثم بكيت وظللت على حالي ثلاث ليالٍ سويًا ووجدتني قلبي بصوتٍ خفيض يُردد “ربِّ إني وهنتُ ولم أكُن بِدعائك شقيًا يومًا”..

وسألته عن حاجتي كيف أجد البيت؟ أضللته لأنه لم يضلني يومًا؟ لكن أتظنين أنه لا يجيب -حاشاه- “قال كذلك قال ربُك هو عليّ هين”.. وبعدها وجدني وجلست فيه ومنذ ذلك اليوم أنا أسأل وهو يجيب يجدني وأجده ولا أنتظر حتى أضل لأعود وإذا ضللت عرفت الطريق دون ملل دون كلل دون تذمر حتى..

لم تخبريني يا فتاة كيف تلبسكِ مرضك؟ أضللتِ؟ أم مللتِ؟”..

أجابت الفتاة باندهاش وفي داخلها كل الأعاصير كأن تلك السيدة تحكي ما هي فيه، أحقًا تُعاد القصص ونحن جميعًا نمر بذات الطريق في وهن وتعجب قالت: “قلبي في وهن وضللتُ، لا أعلم لكني أشبهك كثيرًا، أتؤمنين بالرسائل، هذا المسجد منذ أعوام وجدني واليوم أيضًا وأنتِ وتلك الرسالة بالكتاب أكانت لأجلي؟ ما كل هذا؟، أتعلمين ظننتُ أنني لن أنجو هذه المرة؟ لكنه سُبحانه قريب كريم وجدتني هنا ووجدتكِ”..

في غضب من السيدة بابتسامة صارمة: “يا فتاة سوء ظنكِ هو من يخذلكِ لا هو حاشاه ألم تسمعيه؛ “أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء”؟ على كل حال ادخلي وتوضئي واخفضي قلبكِ إليه ليدلكِ على معالم الطريق، ولا تقلقي أنتِ تقتربين لكن اعلمي دائمًا أن كل المشقة بالقلب وكل النجاة به أيضًا”..

تركتها الفتاة وعقلها يردد كل حرف مما قالته لها السيدة وتلك الآية القرآنية وحين أتت جملتها “أتعلمين ظننتُ أنني لن أنجو هذه المرة، بكت وقالت وهي تعتصر يديها كأنها تمسك بقلبها اغفر لي اغفر لي اغفر لي ولا تفلت قلبي ولا تكلني لنفسي فأهلك”..

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version