يوتوبيا.. القمة المغاربية

إثر لقائه أخيرا في تونس رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج، أعلن أمين عام اتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش، أن اتفاقا تم بينه وبين السراج على عقد القمة المغاربية المقبلة السابعة خلال السنة الجارية (2018) في طرابلس.

وقوبل هذا الإعلان في الأوساط الدبلوماسية والسياسية المغاربية بكثير من الريبة والشك، بل هنالك من أرجعه إلى خانة الأحلام التي يستحيل أن تصبح واقعا مكرّسا في ظل حالة تأبيـد الجمود والعجـز التي تردّى فيها الاتحـاد، فلـن يكون ممكنا أن تعقد القمـة المرجـوة، وهو المرجّح، فتضاف خيبة أخرى إلى خيبات الشعوب المغاربية التي فقدت كل آمالها تجاه تحقيق حلمها في قيام كيان مغاربي فاعل، يسهم في الحدّ من التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها، والمضي القسري في تحمل كلفة المغرب العربي.

تعود صعوبة انعقاد القمة المقبلة في طرابلس إلى أسباب ومرجعيات عديدة، منها قول ملك المغرب، محمد السادس في يناير/ كانون الثاني2017، بمناسبة عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، “شمعة اتحاد المغرب العربي انطفأت…”.

وقبل ذلك، وبمناسبة افتتاحه الملتقى المغاربي حول “استراتيجية التكامل المغاربي”، في 30 سبتمبر/ أيلول 2016، أعلن الطيب البكوش أن الأمانة العامة للاتحاد ستعمل في الفترة المقبلة على إعادة النّظر في معاهدة مراكش (سنة 1989) التي بعث بموجبها الاتحاد، باعتبارها “لم تعد ملائمة لمستجدات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان المغاربية”، وأضاف أنّه سيبادر بالدعوة إلى اجتماع رؤساء الحكومات المغاربية الذي لم ينعقد منذ تأسيس الاتحاد في فبراير/ شباط 1989.

وظلت وعود أمين عام اتحاد المغرب العربي هذه حبرا على ورق، فرؤساء الحكومات لم يجتمعوا، وما زالت “معاهدة مراكش” على حالها. وفي هذا السياق، قال الدبلوماسي التونسي محمد إبراهيم الحصايري لـ “العربي الجديد” إنّ سنة 2017 مرت، لأول مرة منذ تأسيس الاتحاد، من دون أن يلتئم جمع الدول المغاربية على أيٍّ من المستويات التي نصّت عليها معاهدة مراكش”.

وقد أجمعت أدبيات الذكرى التاسعة والعشرين أخيرا لقيام اتحاد المغرب العربي على أن الاتحاد مات سريريا، وهو يواجه ثلاث معضلات قد تنسف وجوده: لقد كرّست الدول المغاربية، في ظلّ هذا الوضع، سياسات “انفرادية” جعلت كل واحدة منها تبحث عن بديل.

أمّا المعضلة الثالثة التي شلت الاتحاد، وقد تطلق عليه قريبا رصاصة الرحمة، فتعود إلى تأبيد الخلاف العالق منذ ثلاث وأربعين سنة بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 1963 نشبت حرب مصغرة بين الجزائر والمغرب الأقصى، بسبب خلاف بشأن رسم الحدود بين البلدين المتنازع عليها قرب قرية تندوف، تضم مناجم حديد، ذلك أن المغرب يعتبر أن فرنسا قد رسمت حدوده بطريقه أضرت به وفق الاتفاق الحاصل بين الملك محمد الخامس ووفد عن “الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية”، أشرفت عليها فرنسا.

وارتأت الجزائر دعم جبهة تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب (البوليساريو) التي أسسها مصطفى السيد الوالي في أبريل/ نيسان 1973، وأعلنت عن ميلاد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على أثر تراجع إسبانيا عام 1975 عن مواصلة احتلال الصحراء المغربية.

وتسبب المشكل الصحراوي في قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مارس/ آذار 1976 ثم عادت هذه العلاقات في 1988، لكن الإشكال ما زال قائما، ولعله يبقى الصخرة الصماء التي تتكسر عليها كل آمال المغاربيين في الوحدة والتكامل.

“أجمعت أدبيات الذكرى التاسعة والعشرين أخيرا لقيام اتحاد المغرب العربي على أن الاتحاد مات سريريا”

وقد عمّقت السنوات السبع التي أعقبت “الربيع العربي” هذه المعضلات التي عممت في مختلف الدول المنطقة ومجتمعاتها. وقد غرق القادة الربيعيون الجدد في السباخ التي أفرزتها صعوبات الأوضاع الناجمة عن تحدّيات تزايد البطالة وشح الموارد وتعقيدات المالية العمومية، والهجرة غير المنظمة من السواحل المغاربية إلى أوروبا التي جعلت كل دولة مغاربية تبحث عن حبل النجاة في إطار محيطها الفردي، وحسب خصوصيات الأوضاع الصعبة التي تردّت فيها، علاوة على اجتياح ظاهرة الإرهاب، وبروز تحديات أمنية جسيمة، هدّدت الاستقرار ووجود الدولة المركزية أصلا.

لم تعد معالم المنطقة المغاربية اليوم تلك التي تشكّل فيها حلم قيام الاتحاد سنة 1989، فقد مات الأباء المؤسسون الفاعلون والمؤثرون، ونشأت في بعض البلاد المغاربية (تونس نموذجا) دساتير جديدة، وتغيّرت بموجب ذلك أشكال الحكم، ونهض مجتمع مدنيٌّ مؤثر في تحديد التوجهات والأولويات.

أمّا ليبيا التي يحلم أمين عام الاتحاد المغاربي بأن تحتضن القمة المغاربية المقبلة فقد غرقت في مستنقعات الحروب والتشتّت، ويصعب معها رصد لحظة الخلاص والعودة إلى حدود البلد الموحّد ذي سلطة مركزية ذات إرادة مستقلة، يمكن أن تقرّر احتضان قمّة مغاربية من دونها.. وإلى ذلك الحين، ستظلّ القمة المغاربية مجرد يوتوبيا ليس إلا.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version