جلسنا معا لساعات. هي تنظر نحو المارة، ساهمة، كأنها تحدق في نقطة معينة فوق رؤوسهم. وأنا أحدق فيها بدوري، والله يعلم من يحدق فينا نحن الاثنين..
الشرطة لا تنام، للمخبرين أبوام لا تمسها سنة نوم.. ولهم أبواق إن نطقت لا تصمت حتى تحطم من تراه عدوا.
كنا عدوين لهذه الأجهزة ببساطة، لسنا لأننا مجرمين، فمن يدري ما حدود الإجرام إذ يطلق الاسم على كل من أرادت الدولة ضبطه متلبسا، أما إن شئنا إحصاءًا فعليا للمجرمين فسنجد كل البشر يجرمون بدرجات..، ولكن لأن فينا بذرة منه بالفطرة. كم من سوي أصبح مجرما حسب علم الإجرام (كما اعتاد صديقي فؤاد أن يفسر لي المفهوم).
كل شيء مراقب إن لم يكن من الناس والشرطة والاستخبارات، أقصد إن لم تكفك كل هذه العيون، نجد لك وازعا دينيا يغنيك عن كثير منها، إن الله يراك وإن لم تكن تراه..
كيف علينا أن نتصرف إذن (طبعا أنا وهي) تحت مجهر كل هذه العيون، نتصنع، نعم، نتصنع كل السلوكات. نخدع بعضنا البعض بالمواضعات الاجتماعية وماكياجات الاتيكيت وأخلاقيات المجتمع، وقليل من عكر البناءات الاجتماعية التي اخترعها البشر لكي لا يصطدموا ببشاعة بعضهم. مفضلين بذلك القبوع وراء أقنعة الفضيلة والخير بدل التصرف بشر صرف وعدوانية معلنة.
الطعن من الخلف خير حسب المواضعات الاجتماعية!..
النفاق خير خلق في زمن ارتدى لباس الفضيلة كواجهة لعري موجود وراء السترات والمعاطف.
أخذت سيجارة في يدها، ونظرت نحوي بابتسامة تعني: أوقد سيجارتي! هي تعلم حرارتي وولاعتي لا تخطأ سيجارة مثلها..
أشتعلت السيجارة وبزغ بريق برتقالي في عينيها يعكس ما يحترق داخلي في عز الشتاء. توقفت عن النظر نحو يدي وهي ترجع إلى جيب سترتي موارية الولاعة..
أخرجت زجاجة براندي صغيرة رشفت منها ثم أحكمت إغلاقها وأعدتها نحو الجيب.. براندي منعش في هكذا لحظات!
انتظرت أن تغلق كل العيون جفونها لأنطلق في عملي الذي أتقنه. عملي الوحيد الذي لا شك لي في إحسانه؛ التقبيل.. التقبيل والظلام حالك. التقبيل والعيون، كل العيون مغلقة. عين الإله إن كان للآلهة عيون مغلقة هي الأخرى..
أعرف كائنا أسطوريا واحدا قد يكون إلها إغريقيا بمائة عين ولا شك أنني عندما أباشر التقبيل يغلق كل عيونه في الآن ذاته!
نخبك يا آرجوس*!
نخب كل العيون المغلقة!