يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات بوجوده المهموز، وعلى هذا الأساس تسيّر حياته المتقلبة بين الأيام بشكل غير مرهق لمن هم حوله، مع أنه يتكبد الكثير من الأثمان حين يحيط نفسه بالكثير من الطموحات التي غالبا ما لا تجد طريقها أو نهجها باتجاه التحقق، لقد فاز الإنسان على نفسه، لكنه هزم عندما واجه الجميع.
وأنت تسير على ضفاف الحياة، توقف! وحاول أن تجد لذاتك مستقرا ولو لبضع فترات، حتى ولو كانت غير مستقرة وغير مرتبة، لأن كيانك بحاجة لمثل هذه الخطوات، لأنّك أنت بالذات بحاجة لنفسك التي لا تكاد تسير حتى تلتطم بالحواجز، لتعاود الانكسار، لتجد نفسكـ محاولا لملمة ما تبقى منها دفعا لها ناحية السير قدما.
أتعانق الحياة؟ هذا أمر جميل، لكن عليك أن تعلم علم اليقين بأنه لا يوجد هناك حياة بلا عوائق وبلا حواجز، وبلا مغريات تشبّ كالحرائق في طريقكـ الوعرة، يـا أيها الإنسان مهلا، كن واثقا بأنّ ما يحصل لك هو قدْرٌ يسير مخالفا ما يحدث بداخل الكيان البشري المرهف، لهذا من الصعب الخوض في مسالك الشهيق كلما ضاق مجال الهواء الطلق.
في تصورات الإنسان هناك الكثير من الاختلافات التي تقود إلى الاختلالات، في عملية تجزئة الحظ هناك الكثير من النقاط التي تغيب عنها شمس العدالة الوهمية، وعندما يكتشف الفرد الإنساني كل هذا يصاب بالصدمة، فيقذف ذاته نحو الخارج، في مسار يكاد ينطفئ ليواجه الظلام الحالك الناتج عن استصغار الإنسان لنفسه.
لطالما عاد الفرد الإنساني إلى عمقه، حاول أكثر من مرة التوغل في مكتسباته التي لم تعره الانتباه الكافي، أعاد ترتيب حياته في الكثير من المواقف، أنصت لأصواته الداخلية في الكثير من الأحيـــان، لكن التوفيق لم يكن حليفه في كافة الفترات..
لقد ولد الإنسان ليكون شقيا في فضاء سعادته، ولد ليتجه نحو الخارج مصارعا ومغالبا، في حين كانت له الفرصة في الاتجاه المغاير، نحو داخله ممازحا ومسامرا، الأمران ليسا سيان؛ لم تعد هناك الكثير من الفرص للفرد الذي انهمك في الحياة بشكل كامل وجوهري، إذ علامات السعادة تنتهي عندما تبدأ من الداخل البشري الغريب، لهذا لن يكون من السهل التواصل مع الذات عندما تنغمس بشكل معتل في أنهار المسالك الكثيفة للوجود من الخارج، وهذا بالذات ما يطبع المعاناة على أيام الفرد الإنساني دون دراية منه؛ لقد ولد الإنسان وحيدا وسيعود وحيدا إلى جحره الانفرادي، هلا أدركـ الإنسان هذا؟
الكثير من مواقف الفرد البشري تؤشر على مبادئ تجعله الأكثر رغدا بين الكائنات لو أنه عدّل من اتجاهه وسار نحو قضائه بمرح، من مشاكل الإنسان تلك الأمطار الروحية (الأسئلة) التي تصب في قالبه المعنوي بشكل خارق وأحيانا حارق، هي بمثابة الأسهم في جسده الممتلئ غضبا وقهرا، لهذا يجد الفرد الإنساني ذاته قد أنهكت تحت وقع هذه الضربات التي رسمت على فؤاده الكثير من آثار العذاب برسم العديد من آثار الزمن وخيبات الرجاء.
مسائل الإنسان الوجودية “يجب” أن تبقى طي كتمانه الوحيد، الوحدة بهذا المعنى جنة الفرد التي تجعله يذوق الهناء المؤقت، لهذا تجد الفرد البشري كثير الكلام، كثير المصائب وكثير الألم من نواحي كثيرة، إذ العقل لديه مسخر لصناعة الخناجر التي تخز باطنه الدفين، وقلبه مشتت بين مزاج يحمل من التناقض كما يحمل الحمار أسفارا، وبين مواقف تتكرر على أيامه لدرجة الثمالة، في اللحظة التي يكون فيها مشتاقا وتواقا للجديد كليا على حياته، كل هذا يصنع غلافه الجميل اللاسع تفكير يهوى وهم الرفاهية، الحياة صعبة، والقليل من التفكير يجعل المرء يستنتج بأنه لا وجود لأمر يدعى بـ: الرفاهية، لكن وبالتأكيد هناك أماني للرميم تحت كل رماد.