خلقنا ونحن على عهد مع النهاية، حقيقة ننساها لكن تسكن في كل تفصيلة في هاته الفانية، الموت سنة الحياة وقانون قاهر فلسفة الكون الحقة، وعلى مدارها نزداد تعلقا وحبا بها ونعيشها بكل تفاصيلها فنطغى ونكره وقليلا ما نحب أو نسعد، نحيا في صراع مع أنفسنا مع الوقت مع الشر الكامن في دواخلنا، فنتجاهل ونكابر ونقسو.
موعدنا مع اليوم الموعود أمر محتوم، لكن الجبروت داخلنا لا يأبى إلا أن يكبر، ويطغى على جمال القلب الفطري فنحقد! ونكره، ونقهر، ونبعد، فكيف لا أن نقتل!..
مدركين حق اليقين أننا يوما سنرحل عنها سنترك من نحب نتخلى عن كل ما نريد، سيدركنا الموت من حيت لا نعلم لقوله تعالى: “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ”..، بدون ترتيبات أو سابق إنذار كل منا ونهايته عن هذا العالم.
هي سويعات كمر البرق، البارحة كنا صغارنا وكان عالمنا كجمال قلوبنا البريئة النظيفة الباسمة، كم مخيفة سرعة الأيام في مضيها، نصبح أكثر تشويها لمعاني الإنسانية والفضيلة والنقاء من محبة وعطف ورحمة، صارت الدنيا محلبة لنا كبشر حتى تعجب منا الحجر والطير والشجر، قسوتنا وكرهنا لأمر مقزز، تناسينا أننا ما لهذا خلقنا وأننا في امتحان طويل يكمن فيه السير صبرا، احتسابا، إيماننا..، فيه نتخلى عن النفس الأمارة بالسوء، فنحارب أهواءنا، نستقيم أكثر للفوز بجنات الخلد.
يقول محمود درويش: {باﻷمس كنا نفتقد الحرية، اليوم نفتقد المحبة، أنا خائف من الغد ﻷننا سنفتقد الإنسانية}.. يا حسرة فقدنا المحبة والإنسانية فصار عالم الغاب هو الطاغي.
على مر العصور شهدنا حروبا تدمي القلب، ومجازر تبكي العين، قهر، موت، مجاعة، إرهاب.. قتلنا الإنسانية بصراعتنا الدنيوية الحقيرة، نحارب لنعيش فنقتل، وندمر.. بئست وخسئت إنسانيتنا، الله بريء من ظلمنا لبعض ومن قسوتنا، خلقنا سبحانه لنعمرها لا لنخليها، خلقنا لنعيش ونحيا حبا، ليسمو بنو الإنسان ويفخر أنه إنسان..
شعارات سلمية، مؤتمرات السلام، معاهدات السلم،كلها تنادي أن يعيش بنو آدم في سلام، كله زيف تحت ما نعيشه من أطماع وجشع من خبث بشري.
لا يحل ترويع مسلم فما بالك قتله
شهدت مراكش جريمة شنعاء فيها تمثلت أقسى مشاهد القسوة، فأن يقتل شاب {26سنة} بعيار غدر، في مدينة هادئة ومسالمة، أن تنهي وقته وتختم أحلامه بطلق ناري قاسي، بلا مقدمات، بدون رحمة، بدم بارد، وبكل سلاسة، أن تقتل أخاك أشد وأقذر ما يشمئز منه الإنسان، إن تميت أمه قهراَ بدمع لن يشفى داخلها، أن تقضي على أب بأخذ فلذة كبده ظلماَ.
كانت له أحلام، أهداف، وحياة سيعيشها.. كان فرحة أبويه وطمأنينة أهله، كانت الدنيا فاتحة له يديها حبا وحظا، كان سيصبح ملاك الرحمة.. طبيبا سينقد أرواحاَ سيشافي جروحاَ، كانت مساحة التصالح مع الذات، مع الخالق، مع الآخرين هي هدفه، تبخر كل هذا بعمل إجرامي وقتله في ريعان شبابه.
في وقت مضى أن ترى طلقا ناريا فهو أمر نشاهده سوى في الأفلام أو في دول الغرب، أمر كهذا بعيد أن نعيشه كبلد أمن، لكن لسماعك موت شاب بسلاح يعد ضربا من الصدمة، والاستغراب والاستنكار.. أدمع قلبي قتله بوحشية، وبكت عيني قهرا لموته..
الدنيا تبقى أجمل وأحب ما نطمح لنعيشها بكل حذافيرها، إلا انها أغرب ما يحصل لنا، إنها السم بالعسل، لا نعلم متى؟ وكيف سنرحل منها؟ أن تغادرها وأنت محمل بأحلام وآمال وأهداف.. أن ينهي الغدر روحك.
لطالما كنت أستغرب كيف يقتل الإنسان أخيه الإنسان، غدت الصراعات التي تحل بالحوار والتفاهم تنتهي بكل سهولة بطلق ناري، فيزداد العالم وحشية وقذارة، فانية وقصيرة المدى أقصر من كرهنا لبعض..
أحب إن شئت، سامح قدر المستطاع، تعايش دائما، ازرع الخير في كل طريق، عش بالحب، واغرس في كل بستان جمالا من الفرح..
فوالله فانية ولا تعدل جناح بعوضة.