يهوى الفرد الإنساني كل ما هو راقي وجميل، ولنا في الكثير من الروايات التاريخية والمواقف المختلفة أمثلة ناصعة الوضوح عن عشق الإنسان لكل ما هو رائع ومبهر، بل إن الشعراء والكتاب وحتى المؤلفين قد رصفوا الكثير من الكلمات احتراما للجميل وجماله، فتجد فريقا منهم يصف فتاة حسناء لما أذهله من جمالها، وتجد فريقا آخر يسرد قصصا عن مواقف اعتبر عِبَرها جميلة جدا، بل إنّ الإنسان ليقف كل يوم أمام المرآة تبصّرا في قبحه الجميل دون ملل أو تعب، إذ الجمال يسري في عروقنا كبشر، ويحيط بنا من كل جانب.
يعجب الإنسان منظر وردة حمراء خجولة يعانقها بعض الندى فيحمل عيونه وخواطره ويسير يلف حضوره أمام جلال ما يرى، مندهشا لما وجده من ألفة لتلك الوردة، والغريب في أمر هذا الإنسان، هو أنه ولشدة ما شاهده في تلك الوردة، يسمح لنفسه بالتقاطها وهو يعلم مسبقا بأن فعلا كهذا سيجعلها تذبل وتموت.
تعجبنا منتوجات حضارة ما، فنتيه بين مبانيها الرائعة، وتفاصيل حياة سكانها، بين أدبهم وآدابهم، ومن حيث لا ندري نجد أنفسنا نبحث عن كل ما من شأنه أن يسيء لهذه الحضارة، متتبعين عيوبها واحدا بواحد، لا لأمر سوى من أجل ارضاء غرور قابع بأنفسنـا رغبة منا في الانتساب إلى أعرق حضارات الكون والتاريخ.
نتشدق يوميا بحبنا للإنسان! ومحاسنه، لكننا نهاجم الإنسان ذاته، سواء بسبب التعصب لمذهب أو عرق أو حتى ثقافة أو لغة نصنفها في خانة العداء، لا لأمر سوى أن هذا الإنسان أو ذاك، بدى لنا في مخيلتنا “الأنانية” أنه وقعٌ يستحق الهجوم ما دمنا نعتقد بأنه “أجمل” منا أخلاقا أو أقوى منا بمزاياه؛ عندما يجد الفرد الإنساني نفسه في مواجهة قرارات تعتبر من أهم ما تواجهه حياته برمتها، ينسى تماما بأنّ العالم الذي يراه هو جميل لذاته، فيصوّب كل أداة تقتل الجمال باتجاه هذه القطع روحية كانت أم مادية، تلك التي يعتبرها جميلة من أجل اغتيالها.
عاتبتنا الحياة كثيرا ونحن نحاول معانقة تفاصيلها، جعلتنا نكره أنفسنا حينما نشعر بذاك الشعور الذي نسميه: غيرة، لأن هذا الشعور بقدر ما يجعلنا نعبّر عن رغباتنا، هو يقتل أجمل الأكوان في أعيننا، ويطلق شرارات التدمير الشامل لورود بساتين أرواحنا؛ كيف نحب الجمال ونكرهه في الوقت ذاته؟
1. الجمال كلوحة زيتية في متاحفنا الروحية
إن ما كان الجمال منسوبا لنا كجماعة أو أفراد، فإنه يصبح مرغوبا فيه، محببا وقريبا من أرواحنا، والكثير من الجزائريين يعتبرون الجمال هو جمالهم وحدهم، فلا يقبلون حتى النقد الذاتي لهذه الميزة التي يعتبرونها ملكيته الخاصة المقدسة التي يجب عدم المساس بها تحت أي ظرف، وكل من تأخذ جرأته للإشارة إلى قبح ما في هذا “الجمال المقدس”؛ فإنه سيحمل الكثير من السب والقذف وعليه أن يتحمّل الهجوم والعداء.
2. الجمال بهدف أمام بنادقنـــا
أن يظهر “جميل” ما بعيدا عن الدائرة “الجزائرية” المقدسة، وتتم إذاعة صيته في أرجاء الحياة، فإن هذا سبب كافي للغاية، من أجل فتح أفواه كل المدافع الجزائرية نحوه، فالجمال في العقيدة الجزائرية هو جزائري خالص، ولا يجب أن يكون غير ذلك، وما على الإنسان سوى الذوبان في البوتقة الجزائرية الخارقة الجمال وإلا سيصبح قبيحا تتوجب محاربته.
مغزى الجميل ينبع من الروح البشري، يحمل العديد من الأوجه، وهو خاضع للمزاج الإنساني بشكل مباشر، وهذا هو سبب هذه التقلبات التي جعلت من الإنسان فرعا بعيد المنال عن الفهم والتدقيق، ومن هذا المنطلق تظهر غرابة ما يسمى بـ: علم الجمال، إذ معروف عن العلوم أنها تهدف إلى الدقة والوضوح، فكيف لها أن تضبط أمرا يتمرّد على كل مضبوط أو قاعدة؟ وهو المنبطح أمام تقلبات البشر!.