عندما كنت في المدرسة الابتدائية كانت هناك فتاةٌ لا تكف عن التعبير عن مدى جمالها وتذم غيرها، لا أذكر أن كثيرات قد نجون من تعليقاتها على أشكالهن، وكبرنا واستمر الحال على ما هو عليه وتطور إلى الحديث عن فرص الزواج بالنسبة لها وللأخريات!
كنت دائماً أوقن أن الجمال ليس شيئاً جامداً مقيداً بمعاييرٍ ثابتة، وكنت أعلم أن نفس الشخص قد يكون الجميل والعادي وغير ذلك تبعاً للعين التي تراه.
لكن الواقع كان يشهد كل يوم بأن من يُعبِّر عن رأيه يريد للجميع أن يقر بأنه يخبر عن الحقيقة المطلقة التي لا خلاف عليها، وكأنه في قرارة نفسه لا يتحمل فكرة أن يكون قد أخطأ في رأيه، لكن مقبول لديه أن يعيب في غيره ما ليس لهم فيه يد!
وهنا يراودني تساؤل؛ هل تعبيرنا عن آرائنا في الناس هام جداً لذاك الحد؟!
كبرت وهذا الأمر يضايقني بشدة من كثرة انتشاره في المجتمع في نواحي مختلفة سواء متعلقة بجمال الشخص أو قدراته وإمكانياته أو غيرها، حتى تخرجت وأصبحت طبيبةً نفسية يكمن واقع عملي ودراستي في التوغل في أعماق النفوس والاهتمام بدراسة تفاصيل التكوين النفسي للبشر منذ كانوا أجنّة..
وجدت أن كوارث مجتمعاتنا تنبع من محصلة كلمات وتعاملات نستهين بها ولا يلقي أغلبنا لها بالاً، حتى أصبح المجتمع يعاني كل يوم من ازدياد فيمن يعانون من اضطرابات نفسية مختلفة تزداد بشكل خطير في كل فئات المجتمع، وأصبحنا لا يمر أسبوع دون أن نقابل طفلاً يعاني من اكتئاب أو مراهقاً حاول الانتحار أو شخصاً قد توقفت حياته رغم أن علاماته الحيوية تشير إلى أنه مازال على قيد الحياة .
وأثناء دراستي لعلم النفس قرأت عن تأثير الأحداث والكلمات في احتمالات إصابة الإنسان باضطراب نفسي خلال حياته، ووجدت اضطرابات وأمراضَ تظهر في الشباب ثم بعد الفحص والتحليل يظهر أن جذورها نبتت في السنوات الأولى من حياة الشخص عندما كان طفلاً.
إننا يا رفيق منذ لحظاتنا الأولى في الحياة تتشكل لدينا معتقداتنا عن أنفسنا وعن العالم المحيط، تترسخ في أذهاننا صوراً نعتقد أنها الحقائق ونكبر وعقولنا تأخذ من التجارب ما يتواءم مع ما ترسخ لدينا من معتقدات وتصبح تجارب الحياة وكأنها إثباتات لصحة ما نعتقده حتى وإن لم تكن كذلك.
وهذه بالطبع مسؤولية كبيرة على الآباء والأمهات، فطفلك الذي تحاول دفعه نحو النجاح كل يوم بقولك له “يا غبي” وأمثالها من الكلمات لا تصل له على أنها تشجيع بل تصل كما هي، إنك تخبره كل يوم وتؤكد على نفس المعلومة أنه “غبي” وبالتالي سيكون النجاح لديه دائماً هدفاً صعباً يحتاج إلى بذل أقصى الجهد حتى يستطيع أن يصل إليه.
أنت ببساطة تدفع ابنك إلى سلك الطريق الأسوء حتى تنقطع أنفاسه ولا يستطيع أن يكمل في أي شيء ويفقد الثقة في نفسه بعد أن يفقد الأمل في أن تثق أنت فيه، سيحاول أن يبحث عمن يخبره ولو بنظرة أنه جيد وأن هناك أمل في أن ينجح.
والمؤلم في الأمر أكثر أن ذاك المدعو “غبي” قد تكون درجة ذكائه في مستوى العبقري ولكنه مسكين لا يعلم!
إن المهمة على الآباء والأمهات عظيمة لأن أساسات كل شيء تنبع من البيت والتربية، لكن هذا لا يعفي كل فرد في هذا العالم من المسؤولية، لأننا مهما كبرنا سنظل بشراً نحمل من الضعف الكثير حتى إن لم يظهر، كما نحمل من المشاعر الكثير، ولكل كلمة أو موقف ميزان في داخلنا.
فهل لنا بحياة “سوية” نحياها معاً؟!
سلمتِ وسلمت يمينك ،، كل كلمه فاح بها مقالك يحتاجها الكثير ليقراها في زمن اصبح فيه الافواه ترمي سهاما وليس كلاما ،، جزاكِ الله خيرا حبيبتي وبُركتِ وبُرِك قلمك هذا ….
لا تحرمينا من عطر كتاباتك 💕