منذ نعومة وعينا العربي ونحن نسمعهم يرددون “اتفق العرب أن لا يتفقوا”، شربنا من كؤوس الاختلاف حتى ما عدنا نجلس على طاولات الحوار، ونسرف في الكثير من النقاشات التي لن تلد لنا نقطة واحدة نلتقي فيها، تاريخنا الحافل بالخلافات جعلنا نُظهرها أمام الملأ بعد أن كنا نُدثرها في شكل دسائس، تفضحها الوثائق المسربة بعد زمن.
نحن الذين نحمل نفس الدين واللغة، ركائز الأمة بحوزتنا، وأسس النهضة نمتلكها، لكن ما حاجتك بجسد واحد إذا كان العقل رفع عنه القلم نتيجة جنون الزعامة، والوشاية بين الأشقاء، يحضرني قول مريد البرغوثي، رغم مرارته إلا أن حقيقتنا تتجسد في أسوء صورة لها “من عادات العرب الكرم والشهامة والنخوة وقتل بعضهم البعض”.
خسرنا كل الحروب عندما تحالفنا مع الأعداء تصفية لمشاكلنا مع الأشقاء، أن يصرخ شقيق عروبتك “تسقط قطر وتحيا مصر” في اليونيسكو تلك هي الصدمة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فسجل هذه المنظمة مليء بعثراتنا، فبين السعودية ومصر جوالات فُسح فيها المجال بفوز الياباني كويشيرو ماتسورا، بعد خسارة السعودي غازي القصيبي والمصري إسماعيل سراج الدين، وبين الجزائر ومصر، مرشحة بلغارية ثبثث تهمة الفرقة بيننا.
لم تكن السياسة وكواليسها فاجعتنا الوحيدة، توالت اللكمات، فما عادت قفازات حسن الجوار تقينا ضربات الإخوة الأعداء، فكان للرياضة كلمة أخرى، الجزائر ومصر مثال حي لتحول لا رياضي من كرة تسدد في مرمى الخلافات، أم درمان معقل سيظل شاهدا على شحن إعلامي غير مهني، وتطاول تاريخي غير أخلاقي، والهدف منه تحضير مصري لعهدة انتخابية جديدة، غير بعيد عن الكرة وأشواطها كان للاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” بصمة مشوهة لعروبنا بعد فوز السويسري جياني إنفانتينو وخسارة المرشح الأردني والبحريني.
فُرقتنا لم تكن صناعة شعبية، ولا حتى تقسيمات على الحدود، بل كانت طبخة سياسية، لحكام أرادوا الكرسي والزعامة، حملوا لواء “فَرق تًسُدْ”، فسندوا ظهورهم بالعدو، وسلموا أراضيهم للأجانب، ووضعوا أيديهم في أيدي الصهاينة،حفاظا على مكانتهم العربية وحتى الإقليمية، لن يهمه الثمن المدفوع فالشقيق والجار يُباع في بورصة التكتلات والتحالفات، كما تُباع الأسرار والخطط للإطاحة به.
أعيدوا تصحيح المقولة من جديد “اتفق الحكام العرب على فُرقتنا”، فأنشؤوا جامعة تدعى جامعة الدول العربية، يلتقون فيها عند كل مصيبة، يذرفون على مسامعنا الكثير من الشجب والتنديد، يمارسون التحريض الجماهيري ليكره المغربي جاره الجزائري، وليحقد السعودي على القطري، ويُخّون المصري الفلسطيني، ويطرد اللبناني السوري، حتى خُيل لنا سماحة الكيان الصهيوني ونجاعة السلام الأمريكي.