اعْتَدّنا الصمت؛ فَـ صاحوا وعاثوا في البلاد خراباً، سنونٌ تَمُر، وأيامٌ تنقضي، بشرٌ تُضام، وفكرٌ يُغيَّب عن قصد وبدون، شَغَلونا فَـ شُغِلْنا، والأوطانُ تحتَضِرْ على مرأىٰ ومَسْمَع، والبعضُ أصابه الصمم، والآخر يؤذن بينهم ولكن هيهات أن يُلبي مَن به صَمَمْ..
لكُلِ سببٍ مُسَبِب، والداءُ له دواء، ولكن؛ التواكل والخنوع للعبودية والدياثة، عِلَلٌ مقيتة، لا تُطَبَبْ ولا تزول سوىٰ باستئصالها، كَمرضٍ خبيث يظل ينخر في قَوامِ المجتمعات حتىٰ يُرْديها صرعىٰ، وداءُ أوطاننا الآن ومرضها العضال هو استعباد البشرية وإخضاعها صوعاً لا طوعاً..
وقد يغيب عن البعض، ويتغافل عنه البعض الآخر مهابة الوقوع في دوامة تأنيب الضمير، إذ يعرف الدواء ولا يحرك ساكن للعلاج، أن الدواء هو استرداد الحرية والعيش ضمن قيود طبيعية تحفظ على الإنسان خياراته في التفكير والتعبير واعتناق الدين الذي يريده استناداً إلى قوله تعالى “لكم دينكم وليَّ دين”، وقوله: “لا إكراه في الدين”..
تعاني أوطاننا العربية من استبداد لا متناهي، وهو في معناه البسيط تصرف فرد أو مجموعة في حقوق قوم دون قيود أو خوف من نتائج، فيقول أحد الحكماء عن المستبد: “إن المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدّي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بِالحَق والتداعي لمطالبته”، قال حكمته تلك بإيجاز فَوَصَف الحال..
وأرىٰ أن المُستبد لا رادع له سوىٰ ثورة قائدها أُباة الوطن ممن لا يرضون على أنفسهم ذلاً أو هواناً، وقد ثاروا بالفعل وطالبوا بالحقوق وأسقطوا حكومات، وجاءت آخرىٰ غيرها، وعاد الحال إلى ما كان عليه، بل ساء فوق سوءه أضعافاً، فردّد العامة وما الثورات إلا خراباً اجتاح الأوطان، وهذا بالضبط ما أراده المُستبد؛ ليضمن صفاء الجو ويمارس استبداده كما يحلو له..
يقال أن الظالم سيف الله ينتقم به ثم ينتقم منه، تُرى هل ما حلَّ بأوطاننا العربية عذاب الله لعبيده الذين انصرفوا عن عبوديته، وساروا في الدنيا لهواً ولَعِباً!!، أم أنه اختبار وابتلاء يتوجب علينا البحث عن مَخْرَج لاجتيازه!!
من منطلق أن الله إذا أحب عبده ابتلاه، حسبما أرىٰ فإجابة التساؤل الأول نفسها إجابة الثاني، يقول تعالى: “إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”، فإن كان عذاب سلطه الله علينا لِنفيق من غفوتنا العميقة، أو حتى إن كان ابتلاء؛ وجب علينا وقفة مع أنفسنا، نحاسبها على ذلاتها وهفواتها، نقوّمها ونُنَحيها عن المحظورات، نعيدها إلى فطرتها المستقيمة وعقيدتها الصحيحة تلك التي خلقت عليها، فإن الاستبداد عقوبة ونار تأكل مجتمعاتنا، وسوءٌ لا ينتهي إلا بِـ توبة..
في الفقرة الأخيرة مثل أغلبية الخطاب الديني المبتذل التعب الساذج المتهالك الرجعي (ليس الدين بل خطاب من يعتقدون أن لديهم سلطة إلهية ليمثلوه) أنت تردين المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية والثقافية والسياسيةإلى أمور غيبية (غضب الله من الشعب) و بذلك تلغين قانون السببية.