مدوناتمدونات الرأي

الاتحاد المغاربي بين حلم التكتل وواقع التشردم

شكلت الشعوب المغاربية عبر التاريخ وحدة جغرافية متصلة بشمال أفريقيا وغرب العالمين العربي والإسلامي، فهي تتكلم نفس اللغات: العربية والأمازيغية، وتتكون من نفس الأعراق: الأمازيغ والعرب وكذا الأفارقة، كما تعتمد كلها الديانة الإسلامية ديانة رسمية لها، وتجمعها أيضا نفس العادات والتقاليد.

ترسخت هذه الخصائص المشتركة بفعل مرور هذه الشعوب بنفس المراحل التاريخية، بداية من الاحتلال الروماني مرورا بـ”الفتح” الإسلامي، ثم التكتل في عدة إمبراطوريات بالقرون الوسطى على رأسها الإمبراطوريتين المرابطية والموحدية، فالاستعمار الأوربي خلال القرنين 19م و20م، وما تبعه من اتحاد زعماء المقاومة بهذه البلدان لمواجهة المستعمر والعزم على طرده من كل البلدان المغاربية كان آخرها الجزائر.

خرج المستعمر من البلدان المغاربية التواقة للحرية والاتحاد، وترك لها قنبلة موقوتة والمتمثلة في عدم ترسيم الحدود بينها، وللآسف وقع الأسوأ ولم تحسن هذه البلدان تفكيك هذه القنبلة، بل سرعان ما انفجرت خاصة بين المغرب والجزائر فيما سمي بحرب الرمال سنة 1963، صحيح أن هذه الحرب انتهت في وقت قصير، ولكنها تركت عداوة كبيرة بين البلدين، امتدت ألغامها إلى الصحراء المغربية وظهور منظمة البوليساريو؛ التي طالبت بانفصال الصحراء عن المغرب، فكان أول المؤيدين لمطالبها الجزائر انتقاما من المغرب، واحتضنتها على أراضيها ودعمتها ماديا وعسكريا وسياسيا.

وبهذا تشتت الإخوة المغاربية بسبب مشكل الحدود ولم يتحقق حلم الاتحاد بعد الاستقلال، وزاد من حدة التفكك المغاربي انقسام هذه البلدان بين بلدان تابعة للمعسكر الشرقي وأخرى تابعة للمعسكر الغربي، وسرعان ما تم إحياء فكرة الاتحاد المغاربي من جديد في قمة مراكش سنة 1989، بتأسيس ما سمي باتحاد المغرب العربي، لكن سرعان ما انتهى هذا الحلم من جديد؛ بإغلاق الحدود بين المغرب والجزائر، فحرمت الشعوب المغاربية من الازدهار والتطور، بينما استمرت الدول المغاربية في إهدار الأموال في التسابق نحو التسلح مقابل معاناة الشعوب المغاربية من كل المشاكل الاجتماعية واحتلالها مراتب جد متأخرة في مؤشر التنمية البشرية

الشعوب المغاربية جمعتها الدماء وفرقتها الإيديولوجيات، جمعها التاريخ وفرقها السياسيون، جمعها المكان وفرقها الاستعمار، جمعتها الثقافة وفرقها السياج.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى