ورد مصطلح الإشعاع الحرماني في كتاب “فيلسوف الجزائر المطرود” مالك بن نبي تحت عنوان: “الصراع الفكري في البلاد المستعمَرَة”، وهو يلخص الكثير في اعتقادي على الأقل إن ما أسقطناه على ما يحدث وما حدث على أرض الجزائر؛ ما يصدر عن الجزائريين سواء كانوا كبارا أو صغارا، رجالا أم نساء، مثقفين أو أناسا بسطاء.
تحدث مالك بن نبي واصفا صراع الأفكار بـ: استعمال الاستعمار للإشعاع الحرماني ضد الكتب التي تبرز على الساحات الفكرية العربية-المسلمة من أجل تعطيلها، لكن وبعد دراستي للوضع السائد في الجزائر، وجدتُ بأنّ هذا الوصف لا يمس الكتب التي يفترض الاستعمار أنها “تهدد جزء من سطوته على الأمم”، وإنما قد تمّ تمرير هذا الأسلوب بين الجماهير الجزائرية ليصبح أسلوب حياة.
1. أثناء ولادة الجزائري:
تتم معاملته كرقم عددي لا غير، فإن نجى من عملية خروجه إلى الحياة، يصبح رقما موجب الإشارة مؤقتا، وإن ما مات أثناء ولادته يصبح رقما جميلا على لائحة السجلات الجزائرية، محروما من حقه في الحياة عندما يتحول إلى رقم ذا إشارة سالبة مبكرا.
2. أثناء مرحلة الطفولة:
يصبح الجزائري مجرد كائن خاضع للحرمان الاجتماعي، لعل أهم حقوقه التي يحرم منها هي: الحق في عيش براءته، فتراه يدخل عالم الكبار مرغما، وهذا ما يظهر في تعلمه للكلام البذيء وقيامه ببعض التصرفات الأكبر من سنه، فالقهر الذي يتعرض إليه الطفل الجزائري ما هو إلا نتيجة لعملية الضغط الهائل الممارس عليه من المحيطين به الذين يدعون حبهم له، أمّه على رأسهم.
3. أثناء مرحلة المراهقة:
الحب في الجزائر جريمة، والاعتراف به يمثل اعترافا بذنب أمام محكمة الأعراف الجزائرية المتخلفة، لهذا يعيش المراهق الجزائري بين حبه العميق لمحبوبته وما بين كل هذا الحصار المفروض عليه من كل جوانب الحياة الجزائرية ليصيبه شعاع حرماني آخر يسمى بـ: الحرمان من الحب.
4. أثناء مرحلة الشباب:
أثناء هذه الفترة يشعر الجزائري باكتماله، فيرتاد طريق البحث عن الرفاهية والتميز، وإذا به يصطدم بواقع يتفق الجزائريون دون استثناء على أنه “ألــــيم” فتجد معظمهم يتشاءم رغم الحالة الاجتماعية المتقلبة التي يعيشها، وينساق بعض الشباب إلى الرضوخ لقسوة الحرمان الاجتماعي من التعليم الجيد، الرعاية الصحية الجيدة والحق في العمل؛ وهذا ما يجعل بعضهم ينحرف عن جادة المسار الطبيعي للإنسان، فيرتمي بين أحضان اليأس، ذاك الذي يظهر في تصرفاته المتناقضة، من تطرف أهوج أو علمانية متوحشة.
5. أثناء مرحلة النضج:
خلال هذه القطعة الزمنية، يصبح الجزائري يشعر بالمسؤولية المشوهة، وأمام حرمانه من الحلول المتاحة “حقوقه”، هنا يتكوّن في نفسيته حقد مزمن، يخرجه هذا الفرد في قالب شديد البشاعة، هذا الحرمان يترجَمُ إلى حقد انتقامي، فيحاول الإنسان الجزائري الانتقام من نفسه، من جيرانه، من أصدقائه، من عائلته الصغيرة-الكبيرة، من المجتمع، من الدين، وحتى من الجزائر.
عندما تعيش بين أفراد يدينون بثقافة تحمل عوامل تفجيرها الداخلي بين كافة مراحل الحياة فيها، فإنك ستحمل رغما عن إرادتك بذور “الإشعاع الحرماني” الذي نجحت الامبريالية العالمية في توظيفه وترويضه عندما أرادت أن تقسم بني البشر إلى ثنائيات، أبرزها ثنائية السادة والعبيد..
الجزائري على الرغم من احتفاظه بحق الاختيار الدائم، إلا أنه ضحية مهما كان مركزه في الوجود، ضحية لعوامل كثيرة، إذ أنّ مساره في الحياة لا يكون طبيعيا إلاّ لمن نَدَر، تفطن مالك بن نبي لهذه المشكلة منذ زمن ليس بالقريب، لهذا تجده ينوّه إلى العمل بمسؤولية وبطريقة فاعلة من أجل انتشال وطن آمن بكافة المبادئ إلا أنه لم يؤمن بأبنائه المخلصين.