بعد سنوات من الثورة التونسية يتراءى لنا أن التونسيين قد نسوا يوم بلغت أحلامهم عنان السماء يوم استبشروا بعهد جديد وحريات وعدالة وكرامة، يوم اتحدت الصفوف لهدف واحد.
نسوا ذلك اليوم الذي كان فيه الحزب حزبًا تونسيا وكانت الإيديولوجية الوحيدة إيديولوجية ثورية بإمتياز.
نسوا يوم ميلاد “الربيع العربي“.
الواضح أن التونسيين لم يدركوا أن انتقالهم الديمقراطي لا يعني الانتقال من تحت الأرض إلى سطحها وأن تكلفته ستكون باهضة، ولم يدركوا أن ما يسمى بالأعراس الانتخابية لم تفضي إلى إنجاب الذرية الصالحة والسليمة للأسف، وما خلّفت إلا المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة.
لم يدرك التونسيون أن ما يسمى بـ الجمهورية الثانية ما هي إلا الشقيقة الصغرى للجمهورية الأولى رغم أني لم أكن أرى جمهورية أولى بل رأيت نموذج مثالي لدكتاتورية عفنة.
لم يدركوا أن النظام التونسي البائس حالفه الحظ بتصدر النخب للمشهد الشبيهة بالفراشات التي تحب الضوء والنقاشات المعمقة والهيئات والمنابر.
لم يدركوا أن دستورهم قد خُرِق قبل أن يطبق.
لم يدرك التونسيون أن ما يسمى بـ “حرب الفساد” ما هي إلا مأسسة للفساد.
لم يدركوا أن تمرير ما يسمونه بقانون المصالحة الإدارية ما هو إلاّ شرعنة واضحة لجرائم النظام السابق.
لم يدركوا أن العدالة الانتقالية قد ضُربتْ.
فهل من مكسب بعد هذا كله؟
بشرى للتونسيين فرصيد مكاسب ثورتكم ليس خالي وما مكسبكم إلا مكسب بقايا يتيم، وهو أنكم تحررتم من خوف الاشتكاء من الفقر، بعد أن غابت المطالب التي قامت عليها الثورة التونسية وأصبحت أضغاث أحلام.
ما لا يخفى على التونسيين
ما لا يخفى على التونسيين أنه كل يوم ينضم منهم جدد إلى صفوف الفقراء، في حين يتواصل اهتراء طبقتهم الوسطى بفضل سياسات الحكومات “النيوليبرالية الرشيدة”.
وعليه، سنوات قليلة، وسيصبح عدد الذين لا شيء لديهم ليخسروه أكبر بكثير من عدد القلقين على مكاسبهم. عندها لن يصبح لعبارات مثل “العصا في العجلة ” والإرهاب والانتقال الديمقراطي تأثيرها على الرأي العام، ولن يعود من الممكن استعمالها كمسكّنات وتعويذات سحريّة في وجه الفقر والغضب الشعبي.
عندها لن يكون الحديث عن الثورة والياسمين والربيع العربي بل سيكون الحديث عن فوضى وطوفان يأخذ كل ما يعترض طريقه بلا رحمة ولا شفقة.
الثورة التونسية … مازال الأمل
مازال الأمل في شعب أزاح دكتاتورية عقود من السنوات، مازال الأمل في شعب بات في العراء والبرد كي يقتلع نظام مستبد، مازال الأمل في شعب كان الحامي الأول لدياره ومؤسساته يوم غاب الأمن، مازال الأمل في شباب عاش أول ثورات الربيع العربي.
مازال الأمل ما دامت روح الثورة التونسية قائمة، مازال الأمل ما دمنا نرى اليقظة الشعبية المستمرة لكل ما من شأنه أن يساعد على الردة إلى الوراء.
صعبة هي الثورات؛ إن التأسيس والبناء الديمقراطي مهمة شاقة وليس في مأمن من الانتكاسات، التي تقودها قوى اليوم والتي ترفض التغيير وتعاديه، لأنه في النقيض مع مصالحها.
والسؤال هنا يطرح “زعما غلطونا؟”