قضية ورأي

العدل والإحسان بالمغرب: “الجماعة” والعرض الصيفي

في حركة أشبه بعروض الاستعراضات العسكرية في جمهوريات الموز سابقا، أو ربما كما يحدث في عروض مهرجانات العالم الشهيرة كما في شوارع ريو …، نزلت جماعة العدل والإحسان بكل ثقلها وعلى أعلى مستوي إلى الميدان من جديد حاملة معها أكثر من رسالة لأكثر من طرف وجهة..

فقد كانت الرسالة الأولى إلى النظام مكتوبة باللون الأحمر العريض مفادها ها نحن نعود من جديد، أو بالأحرى ها نحن نؤكد أننا دائما هنا ونحن من نقرر متى وكيف سنهيج الشارع ضدكم فلا راحة ولا هناء إلا بالجلوس معنا أو في أحوال أقل العتراف بنا كقوة أولى يجب ضرب ألف حساب لها فنحن الوحيدون القادرون على هز عرشكم ولا أحد غيرنا في ذلك..

رسالة ثانية موجهة “لليسار الممانع” رسالة هي أقل حدة لكن تحمل من المعاني عند الجماعة الشيء الكثير، مفاد الرسالة ها أنتم حاولتم ذات ما مرة وأكثر أن تجمعوا وتلعبوا من دوننا لكنك تخسرون دائما وتضعون أنفسكم في مواقف محرجة تكشفون بها حجمكم الحقيقي ووزنكم في سوق السياسية، فبعدم قدرتكم على تعبئة بضع مئات أو أكثر فذلك يجعل الآخر من فوق الكرسي لا يبالي بكم ولا باستعراضكم، بل إنه بات مطمئنا أشد ما اطمئنان على كرسيه وسينام بعد ذلك قرير العين حتى إشعار من قوة أخرى أكبر, لذلك خذوا العبرة والدرس ودعونا نلعب نحن بطريقتنا وآنذاك فسيكون لكم نصيب من الكعكة “وبما يرضي الله”..

الرسالة الثالثة هي للمواطن اللامؤدلج، رسالة مفادها؛ ها أنتم كما تلاحظون فنحن سلميون ونحن الأقوى وفالفلاح معنا إذا، إذا فهلموا لنموذج وطن نبتغيه لكم، وطن سيغنيكم عن ما هو موجود وما نعيش تحت سلطته اليوم، أما باقي التفاصيل “فلا تسألوا عن أشياء إن تبدوا لكم تسؤكم”.

ربما هي هكذا تقرأ الأشياء في عمقها، حتى أن الجماعة حاليا تتحرك بذكاء لا بأس به، فهي تعلم بحكم الأمر الواقع أنها لاعب رئيسي وقوة تنظيمية لا يضاهيها في ذلك إلا فاعلين اثنين وهما القصر بمؤسساته الرسمية أو ملاحقه الموازية (الزوايا، الجمعيات والمنظمات، وزارة الداخلية.. إلخ)، والثاني هو حركة التوحيد والإصلاح ومعها العدالة والتنمية بمؤسساتهما وتنظيماتهما الموازية والأخيرة أصبحت كارت محروق لم يتبقَ منه إلا أطلال وهياكل عظمية وأصبحت في حاجة دائمة للتطعيم من الآخر للبقاء على قيد الحياة فالأحرى انتظار المبادرة منها..

فضمنيا الشارع حاليا هو الآلية الوحيدة لدى الشعب لإعادة قدر من التوازن مع النظام السياسي، لذلك فالعودة إليه بهذه القوة وبعد سنوات من الجمود وبغض النظر عن من؟، أو كيف؟، أو مناسبة ذلك لكن يبقى الأهم أن ذلك يتك ضد خصم وعدو واحد وموحد بياقي التشكيلات في الساحة وهو سياسة النظام.

فالجماعة هي أكبر حركة معارضة للنظام، و-لن ينفي ذلك إلا جاحد-، كما أنها لاعتبارات موضوعية تشكل أكبر تهديد له، سواء من خلال مشاركته نفس أسس الشرعية (المرجعية الدينية)، أو حتى من خلال تقديم نفسها كبديل بمشروع سياسي ومجتمعي متكامل وجاهز “حسب خطابات وأدبيات زعماء الحركة”، وهو ما يجعل منها كيان تحسب له السلطة ألف حساب أكثر من أي تنظيم آخر، وستحول بكل ما أوتيت من قوة دون تغوله أكثر في المجتمع والمؤسسات أو حتى إقامة تحالفات أو توافق مع أي تيار آخر في الساحة وخاصة من اليسار.

لكن إذا كان من حسنات لعودة العدل والإحسان للشارع تعني بالضرورة إعادة زخم حراك الشارع لما كان عليه خلال 2011، بما يعني أن السلطة السياسية ستكون مجبرة على العودة للطاولة مرة ثانية وسيكون لزاما عليها إعادة النظر في حساباتها من جديد، والأهم بالنسبة للمواطن أن قوس وفكرة الإصلاح ستظل مفتوحة من جديد وربما مع سقف أعلى هذه المرة، وبما يعني وجوبا كذلك وإذا ما تحقق الأمر بالشكل المرجوا والمأمول، الإبقاء على ألم ذلك الضرس بعد أن اعتقد النظام مطمئنا أنه بتحييد العدالة التنمية يكون قد أعاد الأمور لنصابها كما كانت عليه قبل 2011.

الأمين العام لجماعة العدل والإحسان المحظورة بالمغرب، محمد عبادي

بل الأكثر من هذا فنعتقد أن أي حراك اجتماعي أو سياسي وطني في الشارع لن يكون له صدى وتأثير كبير في غياب هذه القوة التنظيمية والعددية الهائلة، مع كامل الاحترام لباقي التنظيمات والتيارات الأخرى لكن الواقع والتجربة هي من تجعلنا نصل لهذا الحكم والنتيجة.

صحيح أن هناك تخوفات وجانب مظلم من نزول الجماعة بثقلها للشارع مرة أخرى إذ يكفي أن يوجد اسم العدل والإحسان على قائمة التيارات المشاركة لتظهر للعلن من جديد تلك التهم الجاهزة (قلب النظام، العمالة للخارج، تهديد أمن الدولة، إقامة الخلافة.. إلخ)، وهو الأمر الذي يتشارك في هواجسه النظام مع العديد من التنظيمات البسارية ولسببه كان هناك دائما غياب للثقة اللازمة للاستمرار والمضي قدما لما بعد لحظة الاستعراض الجماهيري..

وهو شيء وإن كان فيه جزء من الصحة لكن غالبا ما يؤدي ذلك بـ مسار المطالبة بالتغيير والإصلاح إلى الخروج عن السكة نحو معارك هامشية يدخلها في صراعات فئوية ضيقة بما يمنح كما دائما تلك الفرصة المثلى والسانحة للنظام للقيام بأحسن شيء يجيده وهو “سياسة فرق تسد”، وبالتالي إهدار للطاقة في التفكيك والهدم بدل توفيرها نحو الهدف الأهم الذي هو بناء نظام يتسع للجميع دون استثناء.

فالخطأ الذي يتم تكراره دوما هو تقديم مرتبة القناعات الأيديولوجية الفئوية على القناعات الأخرى التي تجمع جميع الأطياف وتشكل القاسم المشترك (الكرامة، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، العيش الكريمة نزاهة القضاء… إلخ) بما يجعل من مسألة الخروج للشارع للاحتجاج مجرد أمر عبثي ولن يجعل من البديل الذي سيأتي من بعد أحسن مما هو قائم اليوم، لذلك فمن اللازم والضروري وضع كل الخلافات والاختلافات السياسية على الجانب والتركيز على الهدف والقاسم المشترك الحالي وهو تغيير شكل المنظومة الحالية.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

أظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى