الحب حرفان في اللغة كفيلان بترميم داخلك، كفيلان بأن يُعرِّفاكَ على هشاشة النفس البشرية وقوتها في نفس الوقت.
حرفان في اللغة يساويان ويفوقان قوات العالم الموجودة اليوم، يُعلِماكَ حقيقة الحياة والكون، يُعرّفاكَ عن سبب وسر الوجود..
عن “الحاء المضمومة والباء الساكنة” اللذين يجمعان بين كل كلمة وما هو مضاد لها في اللغة، في علاقةٍ واحدةٍ، وفي كلمةٍ واحدةٍ، التي تجعل بين كل تضاد ترادفاً وتلاحماً، جمالاً وسحراً.
الحب هو البداية لكل قصة
فنحن نجد في الحب القرب والبعد، المرارة والحلاوة، القوة والضعف، وبه نتعرف على الظاهر والباطن، عن السر والجهر، عن العمق والسطح، عن البداية والنهاية.
بهذه الكلمة جئنا إلى هذا العالم، وبها كانت بداية قصة آدم وحواء، وبداية قصة آبائنا وأمهاتنا، بل وهي المنطلق والبداية لكل قصة، لكل نجاح، لكل جمال، ولكل إبداعٍ في هذا الكون.
بالحب نتعرف على أنفسنا، على خالقنا، وعلى كل من حولنا، به نتعرف على الأصل في كل معاني الجمال من رحمة ورأفة وعطف ومودة، وبه فقط نستخرج من القبح جمالاً، ومن المحنة مِنحةً، ومن الضعف قوة.
الحب هو ذلك الإحساس الفطري الموجود في داخل كل منا، ينمو ويزهر ويثمر فقط إذا وجد الظروف المناسبة، وكل ذلك بترتيب رباني محكم.
الحب هو الدليل إلى الله
الحب هو الدليل إلى الله، وهو دليل الدّال على الله، هو نهج الأنبياء والصالحين، وهو النبع الصافي والمحرك الأساسي للإنسان في هذه الدنيا، بل هو جوهر وأساس الدين، فلا يمكن فصل المحبة عن الدين.
وعلى الرغم من أن مجتمعاتنا لا تساعد على معرفة الحب، هي فقط تبدع وتتفنن في إخفائه وربطه بكل ما ينقص من قيمته.
ودائماً ما تميل إلى تجاهل التعبير عن هذا الحب، فإنه وفي الحقيقة لا يمكن استيعاب جوهر الإسلام دون التطرق إلى الحب وأسراره؛ بل لا يمكن فهم الإسلام دون التطرق لتلك العلاقة القلبية التي تربط الإنسان بخالقه، وهي من أرقى مستويات الحب.
أن تحب الله لذاته، أن تعبده حباً فيه لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في جنته، أن تحبه منتظراً لقاءه، أن تحب الله بأفعالك وأقوالك وسلوكياتك وكل أعمالك، أن تحب عباده رغم نقائصهم وعيوبهم وأخطائهم، وقبل ذلك أن تحب نفسك رغم كل ذاك، أن ترى الله في جمال عباده، في نورهم، في عطفهم، في حبهم، وفي نجاحاتهم، أن تراه في كل جزءٍ من هذا الكون.
طريقك إلى الله
الحب هو أن تتعرف على الله وعلى حبه وصفاته من خلال تعاملاته معك ومع عباده، وتسعى جاهداً لأن تتصف بها وتحقق جزءاً منها في حياتك وتعاملاتك بما يناسب مقاييسك البشرية.
هو أن تسعى لأن تنشر المشاعر الناتجة عن تلك العلاقة القلبية في كل جزء من حياتك، وفي كل خطوة تمضي بها إلى الله.
الحب هو تلك الرغبة المتوقدة المشتعلة التي تجعلك تحاول جاهداً لإيصال ذلك الشعور القلبي لكل إنسان، كل في مجاله، وكل بطريقته وفنه.
صحيح أن الله يرانا ولا نراه، لكن المحب يرى الله “بقلبه”، ويشعر به في كل مكان، في كل موقف، وفي كل خلق الله.. و”القلب” هو موضع رؤية الله (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم).
لا يمكن أن يكتمل الإنسان بدون حُب، ولا يمكن أن يكون الإنسان إنساناً دون حُب، وما هذا الإنسان إلا قَلبٌ يُحِب وعَقلٌ يدرك به هذا الحب.
وما خلقنا الله إلا لنعبده عن حب، فلو شاء فقط أن نعبده لأجبرنا على طاعته، لكنه سبحانه أراد قلوبنا، أراد محبتنا، أراد مبادرتنا وصدقنا وسعينا إلى مرضاته بحب، أرادنا أن نعرفه بالحُب وبِحُب، وأن نعبده بحب، وأن نطيعه عن حب، وأن نطيعه عن اختيار، وأن نطيعه عن مبادرة.
الحُب أيها الإنسان هو كل “حب بشري دنيوي” أساسه وأصله ومرجعه ووقود استمراره هو “الحب الإلهي“، هو الله سبحانه وتعالى أصل كل حب وجمال في الدنيا والآخرة.
3 تعليقات