منذ سنين طويلة؛ وأنا أبحث عن القطعة الأخيرة التي يكتمل بها بنيان مشاعري وأحاسيسي المتدفقة.. أنا موقن أنني حققت جميع الأهداف العاطفية في هذه الحياة.. الأصدقاء والإخوان والعائلة.. كلهم روح كامنة بداخلي، أومن بأني منهم وأنهم جزء مني..
لكنني كنت في حاجة ماسة لتلك اللبنة الأخيرة، إلى روح طيبة أقل ما تفعل معي أنها تمسح دمعة الحزن أو السعادة، أو تشعل في طريقي شمعة عندما تنطفأ جميع الأنوار، لكن القدر لم يشأ أن يجمعني بها إلا للحظات ووهنات، جعلتني أومن بها بصدق، وأوقن بأنها تستحق كل الثقة والمحبة، وكل الاحترام والتقدير..
ولا زالت تبعث لي رسائل الأشواق وأوراق الورد، ليست بتلك التي يتبادلها العشاق أو المغرمون، ولكنها معان وهمسات قل ما تجدها في قلب أنثى، أو في فكر رجل أو أديب..
كانت بالنسبة لي الأديب الذي يروض أشعاري، والموسيقار الذي يعزف على موسيقى مشاعري وأقطاري.. والإله الصوري الذي يحكم كل جزئيات مشاعري وأفكاري.. لدرجة أنني لم أفكر يوما أننا سنفترق.. لم أتخيل لحظة أن فساتين حبنا ستحترق.. وغربان الكآبة والحزن من أحلامنا ستنطلق..
آه على أحلامي وآمالي وآلامي ليتها لم ترَ الشمعة التي ظننتها نورا وسبيلا.. ليت تلك الأحلام لم تستفق..
ولا زالت تبعث وتبعث.. والعلاقة تكبر وتشتد، والقدر يتربص من بعيد، يعلم بتلك المشاعر التي تتملكنا وتسيطر علينا، لقد تأثر بقصتنا كثيرا.. هو بنفسه يريد أن نستمر، لا يريد لحبنا أن ينتحر..
لكن القدر يعشق الحزن كثيرا، يتلذذ به ويأنس بالدموع التي تتصبب صبا لأجله، فكان أن أرسلت لي في الأخير عبارة، كانت هي فجر الغروب لشمس لم تشرق، وبوق صامتا للسان هوى يريد أن ينطق..
قالت: سامحني كثيرا لأنني كنت سببا في حزنك، سامحني جدا لأنني سأتركك، سامحني لأنني أحببتك، أحببتك لدرجة أنني تركتك، فلتنسى كل شيء كان بيننا ولتنطلق في سماء أحلامك.. فما أنا إلا ظل مررت به في هذه الحياة، استظللت تحت شتلاته حتى استرجعت قواك، ثم انطلقت نحو الأمل الذي ترجوه وينتظرك..
أقرأ هذه العبارات الأخيرة ودمعات الحزن تنهمر على قلبي قطرات حارقة وملتهبة، إنه لهيب الحب والعشق، الدين المشترك بين كل الأرواح والأكوان..
غابت عني وبقيت الذكرى التي تجمعنا خالدة في أذهاننا، بقيت الجملة التي كانت ترددها دائما: سأخبر الله بكل شيء..