اعتبر الروائي والفيلسوف التونسي كمال الزغباني، أن نظام “العولمة” الذي يسود العالم حاليا، يسعى لتحويل البشر إلى “أرقام لا قيمة لها”، منتقدا في الوقت نفسه السياسة الثقافية في بلاده وما سماه “التبهيم” أو “التجهيل”.
جاء ذلك في حوار مطول لوكالة الأناضول مع الزغباوي الحاصل على جائزة الرواية في أحدث نسخة من معرض تونس للكتاب في الربيع الماضي، والذي أكد خلاله أن ثورة يناير / كانون الثاني عام 2011 في تونس “حررت الفكر والضمير مما مكن من الكتابة بحرية”.
وقال كمال الزغباني إن “النظام العولمي الذي يسود العالم اليوم يريد القضاء على إنسانية الإنسان وذاتية البشر وتحويله إلى مجرد رقم لا قيمة له”.
وبرر الروائي التونسي ذلك “بتراجع نسبة القراءة نتيجة تعدد القنوات الفضائية وسياسة التجهيل والتبهيم المعمم”، وكلمة “التبهيم” محلية تونسية تفيد معنى التجهيل، وعبر عنها في كتابه “البهيموقراطية والثورة”.
وذكر أن “هذه السياسة تنتهجها تونس منذ نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ومستمرة إلى ما بعد الثورة، وذلك لإبعاد الناس عن الفكر والإبداع وإعادة بناء الذات”.
وأطاحت الثورة التي اندلعت في 17 ديسمبر / كانون الأول 2010 وانتهت في 14 يناير / كانون الثاني 2011، بنظام حكم بن علي، بعد 23 عاما قضاها في الحكم.
10 محطات في حياة الكاتب التونسي الراحل كمال الزغباني
كمال الزغباني ورؤيته لواقع الرواية في تونس بعد الثورة
قال كمال الزغباني إن “المسار الثوري يحمل دائما انتكاسات وانتصارات”، لافتا إلى أن الثورة “حققت مكاسب كبرى تتمثل في تحرير الفكر والتعبير والضمير مما مكن المثقفين التونسيين من الكتابة بكل حرية”.
وتابع “أتوقع أنني لو حاولت نشر روايتي (ماكينة السعادة) في عهد الرئيس الأسبق بن علي، لتم منعي آنذاك، لأن مضمونها ضد النظام المافيوي (العصابة) والتخريب المعمم”.
وأوضح أن “التونسيين بعد الثورة عاد لهم العطش لمعرفة واقعهم من خلال قراءة روايات جديدة وجريئة تخترق كل الممنوعات والمحرمات التي كانت موجودة في عهد نظام بن علي”.
ولفت الروائي إلى أن مجمل كتاباته لا سيما “ماكينة (آلة) السعادة” تجمع بين البعد الفلسفي ـ باعتباره أستاذ فلسفة ـ والبعد الأدبي لكونه كاتبا وقاصا وأنه لا يرى تناقضا بينهما.
و”ماكينة السعادة”، الرواية الجديدة للزغباني، جاءت في 350 صفحة عرض خلالها مفهوم السعادة وتعدد مظاهرها، محذرا من الركض خلف الأوهام، ناقدا في الوقت نفسه المجتمع الرأسمالي الذي ينعم فيه أصحاب السلطة والأثرياء بالرفاه ويبيعون وعودا للمواطن البسيط.
تغيير نظام النشر
وانتقد الزغباني نظام النشر السائد حاليا في تونس، معتبرا أنه “لا يمكن الرواية من الانتشار على مستوى أكبر لأن أغلب دور النشر المحلية تقوم ببيع مجموعة صغيرة من النسخ إلى وزارة الثقافة ومجموعة أخرى إلى بعض المكتبات، مما يحد من نسبة انتشار الكتاب”.
ما سبق دفع الزغباني إلى إصدار روايته “ماكينة السعادة” عن طريق “دار التنوير للنشر” (مصرية تونسية لبنانية) ما يعني أن الكتاب ينشر في 3 عواصم عربية في نفس التوقيت، ويوزع في كل المعارض الدولية ما يسهل من عملية انتشاره، كما يقول.
وحول رفعه لشعار حملة “مانيش مسامح” (لن أسامح) أمام رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد، خلال تلقيه الجائزة في معرض الكتاب، ذكر الزغباني أنه اختار أن يقوم بهذه الحركة الاحتجاجية لإبلاغ رسالة للحكومة فحواها أن “مشاريع المصالحة تعتبر اعتداء على التونسيين الذين ثاروا ضد الاستبداد والظلم”، مشيرا إلى أن “نظام المافيا عاد من جديد، كأن الثورة لم تكن”.
وحملة “مانيش مسامح” جاءت ضد مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والاجتماعية الذي أعلنه مؤخرا الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والذي يهدف إلى المصالحة مع المتهمين في قضايا فساد مالي.
سياسة ثقافية بثوب قديم
وفي تعليقه على السياسة الثقافية في تونس بعد الثورة، قال الزغباني إن “وزير الثقافة التونسي الحالي محمد زين العابدين كان من بين الممجدين للنظام السابق ومن بين المناشدين له”.
واعتبر أن تعيينه على رأس هذه الوزارة ما بعد الثورة يعتبر “أمرا مخجلا يدل على أن المسار الثوري في تونس ما زال مفتوحا ومتواصلا، ولا بد من اقتراح بدائل ثورية ثقافية لإنقاذ مستقبل البلاد من الانهيار”، على حد قوله.
ولفت إلى أن “عددا بسيطا من المثقفين التونسيين كانوا يمثلون بوقا للنظام السابق، إلا أن عددا كبيرا آخر منهم قد عبروا عن رفضهم لسياسات الظلم والاستبداد في عهد بن علي”.
والزغباني كاتب وأستاذ فلسفة بالجامعة التونسية، وله العديد من المؤلفات من بينها “البهيموقراطية والثورة” و”في انتظار الحياة” التي حصلت على جائزة “الكومار” الذهبي (جائزة أدبية تونسية) ومجموعته القصصية “الآخر…”.
وأسس الزغباني “رابطة الكتاب الأحرار” بمعية عدد من المثقفين التونسيين عام 2001، وذلك للاحتجاج على السياسة الثقافية للرئيس السابق بن علي، إلا أنه تم منعهم وملاحقتهم وتشريدهم من قبل الشرطة التونسية آنذاك، بحسب روايته.